في اليوم الثاني من الهدنة الروسية المعلنة من جانب واحد في مدينة حلب، شمال سورية، لم يسجّل عبور مدنيين أو مقاتلين أو جرحى من الأحياء الشرقية المحاصرة من القوات النظامية السورية إلى خارجها، فيما ذكرت الأمم المتحدة أن عمليات الإخلاء الطبي التي كان من المقرر القيام بها في شرق حلب الجمعة تأخرت لعدم تقديم الأطراف المتحاربة الضمانات الأمنية اللازمة. وقال ينس لاريكي الناطق باسم مكتب الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة: «للأسف لم يكن من الممكن بدء عمليات إخلاء المرضى والجرحى صباح الجمعة كما كان مقرراً نظراً إلى عدم توافر الظروف اللازمة». وكان يان ايغلاند الذي يرأس مجموعة العمل حول المساعدة الإنسانية في سورية، قال الخميس إن الأمم المتحدة حصلت على موافقة روسيا والنظام السوري و «مجموعات مسلحة في المعارضة». إلا أن لاريكي صرّح إلى الصحافيين بأنه لم يتم تقديم «هذه الضمانات المتعلقة بالظروف الأمنية» وإن موظفي الإغاثة لم يتمكنوا حتى الآن من الانتشار من مواقعهم في غرب حلب التي تسيطر عليها الحكومة. وأضاف: «هذه عملية صعبة للغاية». أما مندوب سورية في الأمم المتحدة في جنيف حسام آلا فقال لـ «رويترز» إن الحكومة السورية أعطت الضوء الأخضر للمنظمة الدولية لإجراء عمليات الإجلاء لأسباب طبية قبل يومين. وأضاف أن الحكومة جهّزت حافلات وعربات إسعاف لكن الإجلاء لم يبدأ لأن من سمّاهم «إرهابيين» يستخدمون قذائف المورتر والقناصة ويهاجمون الممرات الإنسانية والمعابر. وكانت الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر تأملان في الاستفادة من «الهدنة الإنسانية» في شرق حلب بعدما أوقفت القوات الروسية والسورية حملة القصف التي تشنها على مناطق سيطرة فصائل المعارضة. وانتقد «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» في بيان مشترك مع الفصائل المعارضة مبادرة الأمم المتحدة الخاصة بحلب، وأخذ عليها أنها «لم تتضمن دخول أي مساعدات إنسانية، وتقتصر على إخراج حالات حرجة مع مرافقين، وسط ضغوط أمنية وعسكرية وإعلامية» من روسيا والنظام السوري. وجاء في البيان المشترك أن ذلك «يجعل المبادرة قاصرة، ويساهم في إخلاء المدينة بدل تثبيت أهلها في مناطقهم»، وانتقد تحوّل الأمم المتحدة إلى «أداة في يد روسيا». وفي الإطار ذاته، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس إنه يعتقد أن الغرب يريد حماية عناصر «جبهة فتح الشام» التي كانت تعرف من قبل باسم «جبهة النصرة» لاستخدامهم في محاولة إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد. وذكر لافروف أن متشددي «النصرة» يرفضون مغادرة الأحياء المحاصرة في شرق حلب، في تكرار لما قاله مساء الخميس في اتصال مع نظيره الأميركي جون كيري عندما قال له إن مقاتلي المعارضة «يخرقون وقف إطلاق النار ويعوقون إجلاء السكان» وأن «المدنيين، وكذلك عناصر الجماعات المسلحة غير الشرعية، كانت لديهم إمكانية لمغادرة المدينة بأمان». وقال لافروف في مؤتمره الصحافي أمس: «نحن قلقون جداً بسبب رفض مقاتلي جبهة النصرة مغادرة المدينة على رغم إشارات حسن النية التي أبدتها موسكو ودمشق والرامية إلى إعادة الوضع إلى طبيعته في المدينة»، مشيراً بذلك إلى «جبهة فتح الشام». واتهم لافروف مجدداً هذه المجموعة وأنصارها بـ «نسف جهود الأمم المتحدة» لتنظيم إيصال المساعدة الإنسانية. ورداً على أسئلة الصحافيين، أبقى لافروف الغموض في شأن مدة الهدنة الإنسانية في حلب، مكتفياً بالتذكير برغبة الرئيس فلاديمير بوتين في «تمديدها أطول فترة ممكنة عملاً بالوضع الميداني ووقف الغارات الجوية». ومدة «الهدنة الإنسانية» التي تستمر 11 ساعة يومياً ملتبسة، حيث أعلنت موسكو تمديدها 24 ساعة أي حتى مساء الجمعة، فيما أكدت الأمم المتحدة أن روسيا ستمددها حتى مساء السبت. وأعرب لافروف، من جهة أخرى، عن «قلقه الشديد» للقصف التركي الذي استهدف أول من أمس فصائل كردية سورية في ريف حلب، وقال إنه يأمل في أن تحرص الولايات المتحدة التي تقود تحالفاً يضم تركيا، على أن يحترم اعضاء هذا التحالف اهدافه الرسمية ولا سيما التصدي لـ «داعش» و «جبهة النصرة». وسئل التعليق على تهديد الحكومة السورية بإسقاط أي طائرة تركية تنتهك المجال الجوي للبلاد، فأجاب قائلاً إن سورية دولة ذات سيادة. ميدانياًَ، أشارت «فرانس برس» أمس إلى أن اليوم الثاني من الهدنة الروسية المعلنة من جانب واحد في مدينة حلب لم يسجّل عبور مدنيين أو مقاتلين أو جرحى من الأحياء الشرقية المحاصرة إلى خارجها. وحتى ظهر الجمعة، لم يُسجل خروج أي من المدنيين أو المقاتلين من الأحياء الشرقية عبر الممرات الثمانية التي حددتها موسكو، بحسب ما ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» والتلفزيون السوري الرسمي. وأكد مصوّر لـ «فرانس برس» جال على معبري الكاستيلو (شمال) والهال (وسط) المخصصين للمقاتلين ومن يرغب من المدنيين من جهة النظام أنه لم يشاهد أي حركة عبور. وكان الجيش الروسي أعلن تنفيذ هدنة ليوم واحد لمدة 11 ساعة في حلب، قبل أن يعلن عصر الخميس تمديدها لمدة 24 ساعة إضافية بهدف إفساح المجال أمام خروج المدنيين ومن يرغب من المقاتلين عبر ممرات آمنة. وأوقفت الطائرات الروسية والسورية قصف الأحياء الشرقية الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة منذ صباح الثلثاء. وقال مدير «المرصد السوري» رامي عبدالرحمن الجمعة لـ «فرانس برس»: «لا حركة على المعابر من الأحياء الشرقية ولم يسجل خروج أي من السكان أو المقاتلين حتى الآن». وأظهرت كاميرات وضعها الجيش الروسي وتبث مباشرة عبر الموقع الإلكتروني لوزارة الدفاع، انعدام الحركة على معبر سوق الهال (بستان القصر - المشارقة)، في حين توقف عدد من سيارات الإسعاف عند معبر الكاستيلو وشاحنات فارغة قرب سواتر ترابية، بالإضافة إلى عدد من الجنود. وتخلل اليوم الأول من الهدنة الخميس اندلاع اشتباكات متقطعة وتبادل للقصف المدفعي، وفق ما أفادت «فرانس برس» ووسائل الإعلام الرسمية. وكانت الحوادث الوحيدة التي سجّلها «المرصد» وقوع اشتباكات بين القوات النظامية والمسلحين الموالين لها من جهة، والفصائل الإسلامية والمقاتلة من جهة أخرى، في حي الإنذارات وشمال مدينة حلب، في حين دارت اشتباكات في محور 1070 شقة (جنوب حلب) بين الطرفين. غارات وفي التطورات الميدانية الأخرى في سورية، قال «المرصد» إن طائرات حربية نفّذت 4 غارات على حي جوبر عند أطراف العاصمة، وسط قصف صاروخي عليه. وجاء ذلك بعد مقتل ما لا يقل عن 8 عناصر من فصيل «فيلق الرحمن» خلال صد الجيش النظامي هجوماً شنّه الفصيل على مواقع القوات الحكومية التي نصبت مكمناً للمهاجمين. أما في محافظة حمص (وسط)، فسجّل «المرصد» قصف الطيران الحربي قريتي الزعفرانة والفرحانية ومدينة تلبيسة بالريف الشمالي. في حين تجددت الاشتباكات في محيط حقل شاعر وقرب منطقة قصر الحير ومحاور أخرى ببادية حمص الشرقية بين القوات النظامية وتنظيم «داعش». أما في الريف الشمالي لمحافظة حماة المجاورة فتحدث «المرصد» عن غارت على بلدة اللطامنة. وفي محافظة إدلب (شمال غربي سورية)، قُتل أب وابنه وسقط عدد من الجرحى بينهم مواطنة جراء قصف طائرات حربية قرية ترعي بريف إدلب الجنوبي، كما قُتل شخص جراء قصف الطيران الحربي قرية النقير بالريف الجنوبي أيضاً، فيما ألقى الطيران المروحي 4 براميل متفجرة على بلدة الناجية بريف مدينة جسر الشغور. وفي محافظة الرقة (شمال سورية)، أفاد «المرصد» أن عنصراً في «وحدات حماية الشعب» الكردية قُتل بانفجار في سيارة تابعة للوحدات في قرية غزيل شرق بلدة سلوك بريف الرقة. أما في محافظة دير الزور (شرق)، فقد لفت «المرصد» إلى قصف الطيران الحربي منطقة دوار الحلبية عند مدخل مدينة دير الزور الشمالي، في وقت شهدت أحياء في المدينة معارك عنيفة بين القوات النظامية وبين تنظيم «داعش».