علي قباجه أخيراً، بدأ الجيش العراقي وبدعم كبير من البيشمركة، وغطاء من التحالف الذي تقوده أمريكا، خوض غمار معركة الموصل، لطرد داعش من آخر معاقله في العراق، ولكن هذه المعركة تحمل في طياتها الكثير من التعقيد والتداخل في المصالح بين الأطراف المقاتلة، أو حتى في مصالح الدول الإقليمية، التي تتابع المعركة بعين متفحصة. تركيا عازمة على الدخول في المعركة بقوتها الجوية، بينما قاعدتها في بعشيقة على بعد مسافة قصيرة من المدينة، وهي على استعداد تام للمشاركة، في حين أن الأكراد دخلوا بآلاف المقاتلين، للإسهام في العمليات العسكرية، ولكن هل هذه المشاركة في المعركة تحمل في جعبتها هدف التخلص من التنظيم الإرهابي فقط؟ أم أن هناك مصالح أخرى مرتبطة بهذا الهدف؟. ثقل الموصل وموقعها الاستراتيجي جعل منها نقطة فارقة، فالأكراد يهدفون لتأسيس نواة تكون مقدمة لتكوين جسم دولتهم، ولأجل ذلك يشاركون في المعركة، للحصول على تأييد الحكومة العراقية لاحقاً، أو حتى لإثبات أنفسهم بالميدان على أنهم اللاعب المهم في ساحة الصراع. وعندما يتم رفع الأعلام الكردية فوق الآليات العسكرية المشاركة في القتال، وأمام نظر الجيش الوطني، فهذا يعني أن الأكراد يريدون الانتقال إلى مرحلة تالية، من كيان كردي ضمن الدولة العراقية إلى كيان كردي مستقل. أمّا موقف تركيا الرافض لوجود الحشد الشعبي، فأنقرة تعده منطقياً، لوجود انتهاكات ارتكبها الحشد في المدن العراقية المحررة من التنظيم، ولكن ثمة أهدافاً أخرى بالتأكيد، فهي ترى أنها معنية بمنع ترك المجال مفتوحاً للأكراد لإنشاء دولتهم، إضافة إلى أطماعها التاريخية بجزء من الأراضي العراقية، لأنها تعده إجحافاً لحق بها من اتفاقية لوزان 1923، وخصوصاً ما يتعلق بالموصل، ثم إنها تعتقد بأن الحكومة العراقية غير قادرة على ضبط ميليشيات الحشد، أوإمكانية انتهاك فلول داعش للحدود التركية، وبالتالي زعزعة الاستقرار داخلها، حيث بات من الواضح أن إصرارها المستميت على مشاركة القوات العراقية فقط، واستثناء الحشد، وأيضاً تحدي حكومة بغداد لإبقاء معسكرها في بعشيقة، ليس إلا لتحقيق هذا الغرض. المعركة الحاسمة انطلقت، ولا نهاية لها إلا بانتهاء وجود داعش، فالقرار العراقي والعربي والدولي اتخذ، ويبقى إيجاد خطة محكمة للحفاظ على التركيبة السكانية داخل المدينة بعد تحريرها، وتجنب الانتهاكات، التي قد ترتكب بحق المدنيين. انكفاء داعش لا يعني الانتهاء من عصر أسود، والانتقال إلى عصر ذهبي، فالمشكلات بعد التطهير، ربما هي التحدي الحقيقي، فالأطماع الدولية على أشدها، في حين يقع على عاتق الحكومة العراقية بناء مؤسسات وطنية حقيقية لا تقوم على محاصصة طائفية، إنما تكون المواطنة هي المعيار الحقيقي لها. aliqabajah@gmail.com