×
محافظة مكة المكرمة

شرطة الطائف تقبض على مجرم انتحل صفة رجل سلطة ونصب على ١٩ شخصًا

صورة الخبر

كلما تمر ذكرى عاشوراء، التي تصادف العاشر مِن محرم، ثم تعقبها ذكرى ما عُرف بزيارة الأربعين، في العشرين مِن صفر، يكون العِراق في هذين الشَّهرين، ومناسبات أُخر لا تُعد مِن وفيات وولادات الأئمة الاثني عشر، عند الشِّيعة، معطلاً مِن كلِّ شيء، فلا دوائر تعمل ولا مدارس تُعلم، والقصة على ما يبدو ليست ديانة أو حرصًا على تلك الطقوس بقدر ما تهيأ لها مِن المشجعات، منها إجراءات الدَّوائر الرَّسمية في الحث على ترك الدَّوام الرَّسمي وبراتب كامل، ودفع المدارس والمؤسسات إلى المشاركة بشكل فعال، وتسخير الوسائل والأموال لإنجاحها. فالطعام يُقدم لثلاث وجبات، وخدمة أمنية وطبية وصلت إلى إحضار مدلكين لتدليك الأرجل، واستنفار الوزارات لخدمة المواكب، فتغدو المدن فارغة للتوجه في مواكب الماشين إلى كربلاء، مع وجود مواكب المسؤولين، وهي عادة تكون الأضخم، مِن دون لفت الانتباه إلى المخاطر التي تحيط بمواكب الماشين، يضاف إلى ذلك تضخيم الأرقام حتى وصلت هذا العام إلى خمسة عشر مليونًا، وهو رقم تشجيعي أكثر منه واقعيًا. وهن كامل في الدَّولة ومؤسساتها الإنتاجية والخدماتية.. فالكل ماشٍ، إذا وجدت له راتبًا يدفع مجانًا وخدمة المأكل سارية مع توفر الأسباب الجاذبة الأخرى.. فما علاقة الظَّاهرة بالحسين نفسه؟ لأجل الحسين ومحبيه في الوقت نفسه ظهرت حركات إصلاحية، حاولت مواجهة محاولات تغييب العقل وهيمنة الشَّعوذة باستغلال المنبر الحسيني، وهي حركات سابقة، لكن كم يحتاجها مجتمع الشَّيعة اليوم، مِن أجل الشِّيعة قبل غيرهم، فلا بد مِن ظهور ما يحفظ العقل، ويحمي الحسين مِن تجار السِّياسة والمناسبات. إن حركة إصلاحية انطلقت من مكاتب علماء المذهب الإمامي، لتخليص المأثرة الحسينية مما عَلق بها مِن ممارسات فرضتها غوائل السياسة، لم يُقتل الإمام الحسين (61هـ) من أجلها. وهنا نقتبس من أحد المؤرخين الإيرانيين، وكان قد صَنف كتابه «قصص العلماء» (1873)، أي بعد قرن من سقوط الدولة الصفوية، كيف أن هذا الغلو بدأ مِن أجل السِّياسة. قال محمد بن سليمان التنكابني (كان صنف كتابه 1873): «التمثيل من مخترعات الصَّفوية، ولما ظهر مذهب التشيع في بلاد إيران، وحكم الصَّفويون أمروا الذاكرين بإنشاد مصيبة سيد الشُّهداء (ع)، لكن الناس لم تكن تبكي. لأن المذهب لم يترسخ بعد في نفوسهم فاخترعوا التمثيل لعلَّ النَّاس تتألم من مشاهدة مصائب سيد الشهداء (ع) وترق قلوبهم، وسمي هذا العمل بالتعبئة، وهي بمعنى الاختراع أيضًا، وهذه التعبئة لم تكن موجودة في الأزمنة السابقة بالاتفاق. والعلماء مختلفون في جوازه، والأكثر على التحريم، ومن جملة القائلين بالحرمة قطب الفقهاء والجلالة والنباهة والفطانة والذكاوة الشيخ جعفر النجفي» (قصص العلماء)! والمقصود الشيخ جعفر الكبير (ت 1812). كان الملا محمد تقي البرغاني القزويني (13هـ)، المعروف بالشهيد الثالث «يمنع تمثيل حادثة كربلاء في مصيبة سيد الشهداء (ع)، وكان يمنع من الغناء في المراثي، وإنشاد مصائب الأئمة» (نفسه). وأردف التنكابني: «التعبئة (ما يتعلق بما يمارس بعاشوراء) في ذلك الزمان لم تكن مستعملة، بل لم تكن موجودة أصلاً. والذي كان موجوداً في ذلك الزمان النّواح. والنائحون طائفة من النَّساء ينحن عند النَّساء ومن الرَّجال تنوح عند الرَّجال، يذكرون الميت ومناقبه ومفاخره ويبكون الحضور، ويأخذون الأجرة. كما ذكر الفقهاء المسألة في كتاب المتاجر، تحت عنوان أجرة النائحة» (نفسه). صحيح أن البويهيين قد جعلوا يوم عاشوراء رسميًا، ببغداد (334-447هـ)، ففي السنَّة 352هـ «عاشر محرَّم أمر معزُّ الدولة النَّاس أن يغلقوا دكاكينهم، ويبطلوا الأسواق والبيع والشراء، وأن يظهروا النّياحة» (ابن الأثير، الكامل في التاريخ) – فيما بعد صار يوم عاشوراء عطلة رسمية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة (الدليل العراقي 1936)، وفي زمن الجمهورية أخذت تُقرأ قصة مقتل الحسين من الإذاعة العراقية، وبصوت الخطيب عبد الزهراء الكعبي (ت 1974)- لكن قبل تبنيها من قبل السلطة كانت مأثرة الحسين يستذكرها النَّاس طواعية بإظهار الحزن بالنّياحة شعرًا وترتيلاً، وهي مطابقة إلى حدٍّ بعيد لما أورده الطبري (ت 310هـ) في تاريخه. أما ما استجد في العهد الصفوي فهو بدل أن يكون يومًا واحدًا من عاشوراء (العاشر)، أصبح عشرة أيام، بداية من أول يوم محرم، ثم تستمر المجالس الحسينية حتى العشرين من صفر، حيث عودة رؤوس القتلى إلى كربلاء، ودخل في مراسم عاشوراء اللطم، وجلد الأبدان، واختلاق الكثير من الروايات، لزيادة الحزن، مثلما أشار صاحب «قصص العلماء» أعلاه. وإسماعيل الصفوي (ت 1524) كان أول مَنْ أدخل إلى الحزن الحسيني، الذي كان يجري بمراث ومدائح أدبية، «مجلس التعزية» (الوردي، لمحات اجتماعية)، و«تنظيم الاحتفال بذكرى استشهاد الحسين على النحو المبالغ فيه» (الشِّيبي، الطريقة الصفوية). إذا كانت الأيام الخوالي بحاجة إلى هزة عقلية تفتح أذهان النَّاس على الإصلاح وبناء دولة تواكب بقية دول العالم، وتوفر حياة لمواطنيها تتناسب ثقافيًا وحضاريًا مع عظمة الثَّرة فيها، فإن هذه الأيام بحاجة إلى مصلحين يأخذون على عواتقهم وقف هذا التجهيل الساري في عروق المجتمع، مصلحون على حد عبارة الجواهري (ت 1997): «جريئون فيما يدَّعون كُفاة» (الرجعيون 1929)!