عبدالله الهدية الشحي يؤدي العقل الجمعي في حالته الإيجابية دوراً مهماً في المحافظة على منظومتي القيم والسلوك القويم وفي صون مكونات الهوية الوطنية للمجتمعات وفي وحدة صفها وهذا ما يؤكده عالم الاجتماع الفرنسي دوركهايم حين أشار إلى أن العقل الجمعي يعبّر عن المعتقدات والمواقف الأخلاقية المشتركة التي تعمل كقوة على التوحيد داخل المجتمع مما يخلق تضامناً اجتماعياً آلياً من خلال هذا التصور المشترك والمتشابه للمجتمع. أما في حالته السلبية حين يكون تحت سيطرة وتأثير الجماعة المتحزبة لفكرها الضال ولثقافتها التي تجاوزها الزمن والمتعصبة لمذهبها الراديكالي المتشدد الذي لا يطيق التعامل مع الآخر، فإنه يلعب دور المقلد الأعمى والمحاكي المستسلم لكل معطيات ما هو سائد عند هذه الجماعة المنتمي إليها من سلوك غير رشيد وعقائد وسلوكيات غير صحيحة، فهو هنا يعيش في حالة وهم دائم يستمد منه الأمن الشكلي الذي تمنحه إياه الجماعة المنتمي إليها، فهو في حالته هذه إما مقلد مؤمن بما تمليه عليه الجماعة (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) أو تم اغتيال تفكيره من قبل جماعته أو عطل عقله بمحض إرادته لأنه لا يستطيع أن يرى نفسه إلا من خلال من ينتمي إليهم فكراً ومذهباً وثقافة، فهو هنا كما دريد بن الصمة حين قال: وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشدِ فلا غرابة إن اتسم سلوك صاحب العقل الجمعي السلبي بغياب التفكير وبالتقليد الأعمى حتى وإن حمل أعلى الشهادات وتقلد مناصب أهم المراكز الثقافية والفكرية لأنه بعقله الجمعي، كما أشرنا قد ألغى تفكير عقله من حيث التمييز بين الحق والباطل والضار والنافع والصالح والطالح وأضاع تأمله وأصبح بلا رأي ولا قيمة تنويرية وأضحى يهيم ضمن القطيع الذي يقاد فيركض حين يركض القطيع دون أن يعلم لماذا يركض وينام حين تنام مجموعته التي يستمد منها هويته حتى وإن كان لا يهوى النوم حينها، فقد قال ابن حزم الأندلسي: لا فرق بين مقلد وبهيمة تقاد. يقول الطبيب والمؤرخ الفرنسي لوبون في كتابه الشهير سيكولوجيا الجماهير: إن العقل الفردي يختلف عن العقل الجمعي في التفكير فالأول قد يصل إلى قرارات منطقية ولكنه إذا انجرف مع العقل الجمعي فقد يتصرف بصورة سلبية . وهذا ما رأيناه فعلاً في أيامنا الحالية ممن ادعوا النخبوية والحداثة الفكرية وفصل الماضي عن الحاضر وضرورة الانسلاخ عن التراث وغيرها من الفرضيات والنظريات والقواعد التنظيرية والتسويقية لهذا الفكر وهم بذواتهم حين نشبت الخلافات المذهبية إذ بهم يتخندقون بعقلهم الجمعي حول ومع مذهب وفكر من يقصف الأطفال الأبرياء بالبراميل المتفجرة وهم من جردوا سيوف انتقاداتهم لنا حين شدونا بحبنا لبلدنا ولقيادتنا الرشيدة وحين دافعنا عن ثوابت الحق ووسطية الفكر وإنسانية الإنسان، وحين نادينا بأهمية العقل الجمعي الإيجابي وبالعقل الجمعي النسبي في فكره الرزين وبالعقل الذاتي المبدع والمبتكر الذي لا يصادر أحداً. aaa_alhadiya@hotmail.com