تُعد الكتابة الناضجة نتاجاً لتجربة حياتية عميقة، تحاكي الهم الإنساني، وترصد الواقع بكل جوانبه، على اعتبار أن هذه التجربة هي الوقود المحرك لذاكرة الكاتب واستجلاب الفكرة النوعية ذات الرؤية الاستقرائية القادرة على تفكيك -إن صح التعبير- معاناة الإنسان والتخفيف من وطأة همِّه المعاش. الكتابة في نظر المؤلف الإنجليزي دوجلاس آدامز عمل سهل، على حد قوله: «الكتابة عمل سهل، فليس عليك إلا أن تحدِّق في ورقة بيضاء إلى أن تنزف جبهتك». لكنه عمل يتطلب من الكاتب الغوص بعيداً حتى يصل إلى العمق الإنساني الذي يجسد تمثُّلات الإنسان حول صراعه الأبدي مع الحياة، إضافة إلى فترات القلق التي يقضيها من ممارسته مواقف الحياة الكثيرة. إن كل تجربة حياتية يعيشها الكاتب ستنعكس على مجريات الكتابة حتى يخرج بيننا كاتب دقيق متفحص خبير من منطلق أن الحياة تصنع مواقف عديدة. والكاتب الجيد هو من يستطيع أن يوظِّف هذه التجربة وتلك المواقف توظيفاً جاذباً مشوقاً وصادقاً في نفس الوقت. تظل الكتابة الإبداعية مزيجاً خصباً بين الحياتي والإبداعي وتفاعلهما معاً، الأمر الذي يرفع من منسوب الكتابة ذات القيمة الفنية لدى الكاتب، وهناك كثير من المبدعين من أمثال ماركيز وأورهان باموق وميلان كونديرا وماريو باراجاس يوسا وثَّقوا مواقفهم الحياتية وتجربتهم الطويلة عبر كتاباتهم الروائية، حيث الوعي المطلق بعالم الطفولة وتاريخ المكان والبيئة السياسية والاجتماعية، إضافة إلى الوقائع والأحداث المتزامنة مع عصرهم، أو تلك التي سمعوها وتراكمت في الذاكرة، حيث تنعكس تلك المواقف في كتابة الكاتب بما يمثل مكوناً أساسياً يتزامن مع أسلوبه الإبداعي.