لحظة التحدي الحضاري هي وحدها التي توقظ شرارة الروح البشرية القادرة على الإنجاز وبناء الأوطان، دون الاستسلام المبتذل للظروف والروتين والركود والدوران في حلقات مفرغة لكأن (جارة القمر) فيروز الشطآن (تغنينا) مع بداية كل عام (هجري.. ميلادي.. شمسي.. قمري)، وهي تترنم بـ"تعا نتخبى من درب الأعمار/ وإذا هني كبروا نحنا بقينا صغار/ واللي نادى الناس/ تيكبروا الناس.. راح ونسي ينادينا/ يا دارة دوري فينا..". فتظل أزماتنا هي ذاتها الأزمات السالفة، والمعوقات التي تمنعنا من اللحاق بآلة الزمن العالمي، هي ذاتها من قبل (ومن بعد)! أزعم أن ذلك (كله) بسبب افتقاد آلة الزمن المحلي عدة لحظات (غائبة): مصيرية وحاسمة للنهضة وتجاوز إحباطات الواقع. تأتي في مقدمة هذه اللحظات اللحظة الوطنية الحضارية، إذ إن مشكلة الإنسان لدينا ارتهانه الدائم لحاجاته النفعية الفردية. الموقف الثقافي للعالم من حولنا غائب حقا في وعينا الجمعي، وكذلك مفاهيم التطور والمستقبل والتحدي الحضاري، والتي كانت السبب الفاعل في ازدهار التجارب الحضارية الفاعلة في التاريخ! (يجب) أن يعيش الفرد لدينا لحظة التحدي تلك، متى أراد -كذلك- أن يتمثل مبدأ الخلافة الحقة للمؤمن على هذه الأرض. لحظة التحدي الحضاري هي وحدها التي توقظ شرارة الروح البشرية القادرة على الإنجاز وبناء الأوطان، دون الاستسلام المبتذل للظروف والروتين والركود والدوران في حلقات مفرغة، أولها مثل آخرها! أما ثانية اللحظات الغائبة، فهي اللحظة التعليمية الخالصة، إذ لا يحمل كل عام دراسي جديدا لمستقبل التعليم في بلادنا، فالمخرجات هي ذاتها في العام الماضي والذي قبله وقبله، والأزمات المدرسية هي نفسها في كل حين، والحقيقة أن من أبرز الأسباب لذلك الخواء الساكن، هو أن العمل لدينا ينطلق من فكر (نمطي) جاهز، لا علاقة له بارتهانات الواقع (المعقد)، كما أن ثمة تداخلات وتقاطعات (فظيعة) في خطط وبرامج التعليم (والتي تتجلى في أنظمة التعليم الثانوي المطور والفصلي والمقرراتي والتقليدي وو..)، بل ربما وجدت أن ثمة أهدافا للتعلم متناقضة بين المواد الدراسية للصف الواحد! أما التعليم الجامعي فقد بدأت تتلاشى في أروقته القيم العلمية الرصينة (المنهج العلمي-الموضوعية والحياد المعرفي..) والتي تدفع الطالب الجامعي للنهوض بمهمته الرئيسة، وهي البحث والاستقراء والكشف، بعد أن أصبحت (الأكاديميات) نهبا للمحسوبيات والعلاقات الاجتماعية! وبالنسبة للحظة الثالثة الغائبة في (زمننا) فهي اللحظة الذهنية المنهجية الصحيحة التي تمكن الإنسان من امتلاك رؤية (سليمة) للكون والحياة بقضاياها المتنوعة، ومستجداتها المتغيرة أبدا، كما تمكنه من استثمار كل ذلك الزخم المعلوماتي الهائل الذي يحيط به من كل جانب (بفعل الوسائل المعلوماتية التواصلية المتنوعة)، لتتحول المعلومات -بذلك الاستثمار- إلى معارف فاعلة ومنتجة وحقيقية، من أجل إنتاج تلك الحقول المعرفية المفعمة بالحركة/ الديالكتيك الخصب، والذي يسمو بالإنسان إلى آفاق سامية، يتخطى من خلالها واقعه المحدود الرازح تحت وطأة خرافاته وأساطيره وأفكاره العشوائية المضطربة. وأخيرا فإن لحظة الغياب الرابعة هي اللحظة الجمالية الترفيهية، والتي يفضي الاستغراق في جمالياتها إلى إنشاء حس جمالي فني، تشف به روح الإنسان، من أجل معانقة مفازات الفرح والحنين، التي يطمئن فيها الإنسان، عندما تنهكه انتكاسات الواقع وغرائز التسلط.. (طبعا لا يمكن القبول بـ166 فعالية ترفيهية، يزعم أصحاب الهيئة الجديدة أنهم قاموا بها خلال 5 أشهر، لأن تلك الفعاليات يمكن أن تتم في يومين طبيعيين في بعض الدول المجاورة، كما يحدث في دبي مثلا، فضلا عن القول بالفعاليات الجمالية الترفيهية لمجتمع روما العتيق)! .