الاقتصاد في أي بلد هو كتلة واحدة من الصعب تقسيمه في الواقع، ولكن لأغراض دراسة الاقتصاد وفهمه وفهم العلاقات بين مكوناته فإنه يتم تقسيمه عادة إلى قطاعات متعددة. النجاح في إدارة الاقتصاد مرتبط تماما بالنجاح في تقسيمه بشكل صحيح، لعل التقسيم الرسمي المتاح لقطاعات الاقتصاد السعودي يظهر في تقسيم قطاعات السوق المالية، فاليوم يتم تقسيم السوق المالية إلى 15 قطاعا، والدقة في هذا التقسيم تعني الكثير فمثلا السوق المالية هي مؤشر للاقتصاد ككل، فالسوق المالية مرآة الاقتصاد. ومع ذلك فإنه يمكن تقسيم الاقتصاد أيضا إلى ثلاثة قطاعات رئيسة، قطاع مالي، قطاع إنتاجي، وقطاع خدمي. القطاع المالي يتكون من كل المؤسسات المالية والتأمين والصرافة وغيرها من خدمات التمويل، بينما القطاع الإنتاجي يتكون من كل المؤسسات الصناعية، التي تنتج سلعا للاستهلاك سواء الفردي أو المؤسسي، ويبقى القطاع الخدمي مكونا من مؤسسات مختلفة غير متجانسة في طبيعة منتجاتها، الهدف منها ليس تقديم سلع إنتاجية بل خدمات، مثل الاتصالات والنقل والتعليم والصحة فهي لا تقدم سلعة موصوفة للاستهلاك المباشر، ولا توجد مصانع بمواد خام ومنتجات نهائية الصنع، لكن هناك خدمات لها وصف معين ويتم الدفع في مقابل هذه الخدمات. قد يشعر البعض بصعوبات في تفسير القطاع الخدمي وتحديد مؤسساته، ما يصعب مثل هذا التصنيف وبالتالي مراقبته وتقييمه. القطاع الخدمي في المملكة بهذا المفهوم الشامل يعد قطاعا مهما جدا، فهو يحمل الكثير من المؤسسات التي تقدم خدمات مهمة وحيوية للغاية، بل هناك حجم استثمارات ضخم في هذا القطاع، ولديه قدرة كبيرة على توفير الوظائف، وهو ركيزة أساسية لنجاح القطاعين الصناعي والمالي، فلا يمكن لكليهما النجاح في ظل غياب قطاعي الاتصالات والنقل، لكن رغم أهمية هذا القطاع فإننا لم نصل فيه إلى مرحلة يمكن اعتباره مصدرا للدخل الوطني، فلا يزال هذا القطاع مقصورا على تقديم خدماته داخل المملكة وبعيدا عن العمل في الأسواق العالمية، فقطاعات مثل الموانئ وخدمات السفن، لا تزال غير قادرة على المنافسة العالمية، وكذلك الحال في الاتصالات بكل ضخامة الاستثمارات فيها لا تزال غير قادرة على السيطرة على الأسواق العربية فضلا عن الدخول والمنافسة في الأسواق العالمية، وما يقال هنا يظل صحيحا أيضا في غير ذلك من خدمات كالسياحة والصحة. ولا يوجد وضوح في الأسباب التي تمنع السوق السعودية من المنافسة العالمية في مثل القطاع الخدمي، على الرغم من أن الاقتصاد العالمي في هذا القطاع حقق قفزات كبيرة، وهناك دول ترتكز في دخلها الوطني وفي القضاء على البطالة على اقتصاد خدمي بحت ولعل سنغافورة تجربة مثيرة للاهتمام فيما يمكن للقطاع الخدمي تقديمه للاقتصاد ككل. لقد تضمنت "رؤية المملكة 2030" إشارات واضحة على التوجه نحو الاهتمام بقطاع الخدمات، ولعل أهم ما في ذلك هو الاهتمام بالموقع الجغرافي للمملكة لتقدم الخدمات اللوجستية للشركات العالمية، كما أشارت إلى المزايا النسبية السياحية، وهذا في حد ذاته مؤشر على ما يمتلكه هذا القطاع من قوة كامنة تجعل مستقبله زاهيا فيما لو تم إنجاز الأهداف المخطط لها، لكن مع ذلك ستبقى مشكلة القدرة على المنافسة العالمية محكا في هذا القطاع، وتطوير الكوادر القادرة على رفع مستويات الأداء. وإذا كنا سنعزز من حجم هذا القطاع بخصخصة الخدمات الحكومية لهذا نحتاج إلى معلومات أكثر وضوحا ومصداقية إضافة إلى خطط تنفيذية أكثر دقة ووضوحا بشأن تطوير هذا القطاع بكل مكوناته.