يطرح الخبير السياسي الدكتور أحمد يوسف أحمد ، مدير معهد البحوث والدراسات العربية السابق، وأستاذ العلوم السياسية، رؤيته التي تستبعد اندلاع حربا عالمية ثالثة، ترتبط بالتصعيد الأخير في الصراع السوري والتهديدات المتبادلة بين أقوى دولتين متورطتين في هذا الصراع. ويؤكد الخبير المتخصص في العلاقات الدولية والشؤون العربية، أنه رغم ما يبدو من تشابه الظروف الدولية الراهنة، بالظروف التي سبقت الحربين العالميتين الأولى والثانية من منظور محدد، فإن هذا لا يعني أن العالم مقبل على حرب عالمية ثالثة، رغم محاولات تغيير ميزان القوى الدولي القائم. وقال د. أحمد يوسف، في مقاله المنشور اليوم الثلاثاء بصحيفة الاتحاد الإماراتية، إذا كان ثمة صراعاً يجري في أكثر من منطقة في الساحة العالمية، وليس الشرق الأوسط فقط، وإذا كانت هناك تهديدات متبادلة بين أطراف الصراعات، ولكن لا ينبغي أن نتصور أن حدوث تصعيد في ساحة المواجهة يعني إمكان نشوب حرب ساخنة فأدوات الصراع وآلياته باتت تتجاوز بكثير فكرة الحرب الساخنة. ويخلص الكاتب إلى القول، بأنه لم تحدث أي حرب مباشرة بين القوتين العظميين ولن تحدث بسبب السقف النووي الذي تتمتع به كل منهما. هو صراع إذن، ولكن الصراع شيء ونشوب حرب تأكل الأخضر واليابس شيء آخر. نص المقال: سُئلتُ في أكثر من حوار وقرأت وشاهدت في عديد من الوسائل الإعلامية موضوعات تحاول الإجابة عن سؤال: هل نحن مقبلون على حرب عالمية ثالثة؟ ولاحظت أن الحديث في هذا الشأن قد ارتبط بالتصعيد الأخير في الصراع السوري والتهديدات المتبادلة بين أقوى دولتين متورطتين في هذا الصراع. والواقع أنه يمكن القول تحليلياً إن الظروف الدولية الراهنة تشبه الظروف التي سبقت الحربين العالميتين الأولى والثانية من منظور محدد، فهل يعني هذا أننا مقبلون بالفعل على حرب عالمية ثالثة؟ أبدأ محاولة الإجابة بتوضيح المعنى الذي جعلني أذهب إلى القول بتشابه الظروف الدولية الراهنة مع ظروف ما قبل الحربين العالميتين في القرن الماضي. والواقع أننا نجد في الحالات الثلاث قوة أو قوى مراجِعة تحاول تغيير ميزان القوى الدولي القائم، فقبل الحرب الأولى كانت القوى التي وصلت متأخرة إلى ميدان السباق الاستعماري وعلى رأسها ألمانيا تشعر بالغِبن في توزيع المستعمرات، وتحاول تغيير ميزان القوى، ولم يكن ذلك ممكناً إلا بالقوة، وهكذا نشبت الحرب العالمية الأولى بغض النظر عن أسبابها المباشرة، ولكن ألمانيا وحلفاءها هُزموا وفُرضت عليهم تنازلات مُذلة ومن هنا زُرعت بذرة الحرب العالمية الثانية فقد استغل هتلر شعور الشعب الألماني بالهوان الوطني في إعادة بناء ألمانيا واتباع سياسة لمحو تسويات الحرب الأولى بل وتحقيق سيطرة عالمية. ولكن الهزيمة تكررت وقُسمت ألمانيا بين المعسكرين المنتصرين في الحرب الثانية وتبلور نظام القطبية الثنائية بزعامة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. نشب الصراع لاحقاً بين القطبين أو القوتين العظميين من أجل الهيمنة العالمية في ما عُرف بالحرب الباردة التي لم تتحول أبداً إلى حرب ساخنة بينهما بسبب توازن الردع النووي المخيف بينهما، فالنتيجة الحتمية لأي حرب من هذا النوع هي الدمار الشامل لكليهما، وساعد هذا الاقتناع على التقدم الوئيد نحو الانفراج في علاقتهما مع مطلع سبعينيات القرن الماضي، ومع وصول جورباتشوف إلى سدة السلطة في الكرملين في منتصف الثمانينيات أدت محاولاته للإصلاح إلى زعزعة الكيان السوفييتي وصولاً إلى تفككه رسمياً في آخر 1991 وتكفل يلتسين أول رئيس لروسيا بعد ذلك، بتحويلها إلى دولة تابعة للغرب ناهيك بالتدهور الحاد الذي أصاب عناصر قوتها إلى أن تولى بوتين رئاستها. وأظهر بوتين براعة فائقة في إعادة بنائها، ثم بدأ محاولة لاستعادة قوتها تبدت أولاً في إعادة الاعتبار للقوات المسلحة الروسية، ثم في تحدي الغرب وكسب التحدي في قضايا جزئية أهمها ضمه لجزيرة القرم. وبعد أن أرسل بوتين هذه الرسائل لإحاطة الجميع علماً بأن روسيا قد عادت، بدأ يوسع نفوذه خارج المحيط المباشر لروسيا، فتدخل في سوريا مسانداً لنظام بشار الأسد واستطاع بتدخله هذا أن يحقق تقدماً ملحوظاً في وضع النظام السوري في الوقت الذي كان أوباما يتوخى فيه الحذر والحكمة والحيطة تأسياً بالخبرة الأميركية السلبية في كل من أفغانستان والعراق ويتفاخر بعقيدته الداعية إلى عدم الاهتمام بالشرق الأوسط على أساس أن المستقبل لآسيا، فكانت النتيجة أن تفوق عليه بوتين ووضعه في موضع العاجز. على هذا الأساس يمكن القول إن بوتين بدوره يحاول الآن تغيير موازين القوى العالمية كي يعيد لروسيا مكانتها بما يشبه موضوعياً الحالة الدولية التي كانت سائدة قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية بغض النظر عن الخلاف في التفاصيل، فهل يعني هذا أن الحرب قادمة ولو بعد حين؟ لا شك ابتداءً أن ثمة صراعاً يجري في أكثر من منطقة في الساحة العالمية، وليس الشرق الأوسط فقط، ويكفي أن نشير إلى حالتي جورجيا وأوكرانيا، ولا شك أيضاً أن هناك تهديدات متبادلة بين أطراف الصراعات، ولكن لا ينبغي أن نتصور أن حدوث تصعيد في ساحة المواجهة يعني إمكان نشوب حرب ساخنة فأدوات الصراع وآلياته باتت تتجاوز بكثير فكرة الحرب الساخنة. وكذلك يجب أن لا ننسى أنه لم تحدث أي حرب مباشرة بين القوتين العظميين ولن تحدث بسبب السقف النووي الذي تتمتع به كل منهما. هو صراع إذن، ولكن الصراع شيء ونشوب حرب تأكل الأخضر واليابس شيء آخر.