×
محافظة المنطقة الشرقية

النوم يساعد على زيادة التركيز.. لكن كيف تعمل النظرية بالعكس؟

صورة الخبر

سأله عمرو الليثي: "انت خريج إيه؟"، وكانت الإجابة أنه "خريج توك توك". تلك كانت إجابة الشاب سائق التوك توك الذي تحدث معه الإعلامي عمرو الليثي في برنامجه "واحد من الناس"، ليتحدث خريج التوك توك، ثلاث دقائق كانت كفيلة بتحريك الرأي العام المصري. ذلك الشاب الذي رأى أن يعبر عن وجهة نظره بكل صراحة في أمور تعنيه هو في المقام الأول، أمور لا يختلف عليها خريجو الجامعات أو خريجو التوك توك، لقد عبَّر الرجل عن وجهة نظره في حياته في سعر أرز يأكله على غدائه، في احتياجه لملعقة السكر لتغطي مرارة كوب شايه، وإن كانت لا تغطي مرارة حياته، تحدث الرجل بلسان الطبقة الخرساء. نعم لا تتعجب من المصطلح فتلك طبقة ليست جديدة، ولكن قد تتغير حالتها مع الوقت، تلك الطبقة التي اعتادت الاستماع والصمت، اعتادت التصفيق عندما كان يخطب بهم ناصر، ولكنها لم تحاسبه على نكساته، الطبقة التي هتفت للسادات عند انتصاره، وهتفت ضده واستمعنا صوتها عندما مس الرجل رغيف خبزهم، الطبقة التي كان لها صوت ولكنها نسيت صوتها ذلك أيام مبارك، الطبقة التي ترحَّمت وما زالت تترحم وستبقى تترحم على أيام مبارك، الطبقة التي عند المعارك العظيمة تقف على الحياد وتدين لمن غلب.. إلخ، لكنها تتحمل قدر المستطاع حفاظاً على استقرارها النسبي، ولكنها الآن تخشى على نفسها، وقد يُسمع لها صوت إذا مُس رغيفها كما سُمع سابقاً. الرجل ابن تلك الطبقة، بل إن عمله كسائق توك توك يضع حياته بأكملها داخل تلك الطبقة فهو يرتزق ممن هم مثله لا من الكبار. جاءت تصريحات ذلك الرجل لا لتعبر عن حاله وحال رفاقه فقط، ولكنها جاءت لتؤكد لنا أننا لا نمتلك نخبة على الإطلاق. كشفت لنا تلك الدقائق الثلاث عن حالة الانقسام الحاد والصريح في المجتمع، وأنا لا أتحدث عن انقسام سياسي فهو انقسام واضح، بل نتحدث عن حالة من اليوتوبيا التي خلقها الأثرياء وانعزلوا بها عن باقي طبقات المجتمع. الرجل الذي صرح بأنه يرى مصر على شاشات التلفاز "فيينا"، لكنه يصطدم بواقع أنها "بنت عم الصومال"، الرجل لم يخطئ ولم يبالغ فمن يتابع مسلسلات الدرما المصرية تلك المسلسلات التي تتحدث عن الأغنياء ومن "يلعبون بالمليارات"، كما نقول في مصر عمن يمتلكون المليارات، من يعيشون في قصور فارهة، ويركبون سيارات كان يظن سائق التوك توك أنه لا يركبها إلا الوزراء، هؤلاء الذين يصل أبناؤهم الآن للمناصب الحساسة والريادية، هؤلاء من يخرج منهم الإعلاميون والنخب ليحدثونا عن آلام سائق التوك توك التي لا يشعرون بها، وينعزلوا عن الموجوعين بها، الرجل الذي يرى مصر العشوائية المقبرة، لا يعرف مصر الفارهة. ما الذي يعنيه لسائق التوك توك الاحتفال الـ١٥٠ بمناسبة ذكرى تأسيس البرلمان المصري، ذلك الاحتفال الذي تكلف ٢٥ مليون جنيه، على حد قول الرجل، ولا يعني الرجل مكانة البرلمان في الأنظمة، بل لا يعنيه البرلمان أصلاً. وجاءت كلمته عند حديثه عن الحكومة ونعتهم بـ"الفوق" لترسخ تلك التصور الطبقي الذي رسخه المجتمع فهو لم يقل حكومتنا، أو الرئيس أو أي مصطلح آخر، بل تحدث عن هؤلاء الذين يعيشون في جبال الهيمالايا تاركين طبقته غرقى في ظلام ممر الفئران. لا تحدثني عن الوطنية عندما لا يجد ذلك الرجل ما يطعم به أبناءه، ويعرف أن ثمن زجاجة المياه وعلبتي العصير أمام أحد الوزراء في اجتماعات الوزارة كفيل بسد رمقه هو وأبنائه. الرجل الذي تحدث عن مصر الثرية التي سمع عنها، ولم يراها، مصر التي كانت تقُرض الإنجليز، ولكنه عندما رأى لم يجد إلا مصر التي تنتظر الأرز الخليجي. انتظر سائق التوك توك ليرى مصر التي سوف تكون "قد الدنيا"؛ ليفاجأ بها وهي لا تعطيه حتى قوت يومه. خريج التوك توك لم يخرج عن صمته حباً في الحديث، ولكنه خرج لأنه لم يجد من خريجي الجامعات وحاملي الشهادات من يتحدث عن أوجاعه، حتى وإن كان لا يشعر بها، فقد ترفع الناس "الفوق" عن التفريغ والاستيعاب لقاطني مدينة العميان، حتى وإن كان مجرد حديث. لكن هل خروج الطبقة الخرساء عن صمتها يكون مؤشراً لتحول ما، أم هي خطرفات محموم؟ ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.