وكانت حملة (نابليون) أسوأ حملة ثقافية. فنية. عسكرية/جاءت بقَضِّ الإمكانيات الفرنسية، وقضيضها. ولم يجن منها العالم العربي إلا التواصل الذليل، والتقليد المهين. فالمتلقي العربي لم يفصل بين المعطيات، والقيم. ولم يحفل بإمكانية التوفيق. بل انصاع لمقولة: تَعَذّْر الجمع بين (الدين، والعلم)، و(الدين، والمدنية). فيما أتقن (اليابانيون) التأليف بين إرثهم الديني، والقومي، والأخلاقي من جهة، والمعاصرة من جهة أخرى. والأخذ بالمفيد بمقدار. فضياع الأمة تَعَاظَم بتطويع الإسلام، لا بالتطويع له. ومن ثم استُنْزفت الطاقات في مواجهة ثوابت الإسلام، واستقبال المدَنِيَّةِ دون العلم التقني. لقد كانت الحملة المشؤومة المهاد، والمُمَهِّد للاستعمار التقليدي بثكناته، ومناديبه. وبعد تجرع مرارات العبودية، بدأت حركات التحرر: (السلمية)، و(الدموية). ابتدرتها (الانقلاباتُ العسكريةُ) التي سامت الشعوب العربية سوء العذاب. وبعض مشاريع الانقلابيين جُنِّدت لمحاصرة الإسلام، وإذلال المسلمين. ولم تخل المشاهد من (حركات إسلامية)، كما الضوء الخافت في آخر الأنفاق المظلمة. وكلما أخذت أي حركة إسلامية وضعها، وشارفت على لمِّ الشمل، وإقالة العثرة، اجتالتها الإنس، وأغوتها شياطين الجن، ففسقت عن أمر ربها. وأصبحت وبالاً على الإسلام، وأهله. لقد طرح الانقلابيون في الوطن العربي مشاريع مناوئة للإسلام، ومحبطة للأمة الإسلامية، من (علمانية)، و(ليبرالية)، و(ديموقراطية) و(اشتراكية) و(قومية) و(بعثية) ومالا حصر له من الأحزاب، والمذاهب التي تهمش الإسلام، وتقمع الإسلاميين. ابتدر هذه (التقليعات) العسكريون الجهلة من عند أنفسهم، أو تبنوها بوعود سرابية، تتمثل بالدعم المشروط، والتأييد المحدود. وكلما أخذت الشعوب العربية أنفاسها، ورضيت بما قسم الله لها، وفرغت من لملمة أشلائها، فوجئت بانقلاب: دموي، أو سلمي، يصنم الخلف، ويشيطن السلف. والويل، والثبور، وعظائم الأمور لكل الأطراف، حين لا ينجح الانقلاب. وما من فريق عسكري إلا وله حليف غربي، كالقرين، يحركه كالدمية، ويُصَرِّفه كالقطيع. ويأتي (الربيع العربي) أكثر دموية، وفوضوية، وطائفية. وتنكشف خرائط الطريق التي يصنعها الكبار، وينفذها الأغبياء الصغار. وفي ظلها استفحلت (الآيديولوجيات)، وتنمرت (الأقليات) وتحول ذووها إلى مطايا، لإنهاك الأمة، وتيئيسها من الإسلام. حتى لقد حُمِّل الإسلامُ السني السلفي) مسؤولية العنف، والإرهاب، وعزز الاهام بتحريف شعائره، ومصطلحاته، فـ (جهاد الطلب) يبتدره من شاء، متى شاء، وكيف شاء، وأين شاء، وعلى من شاء. وجُرَّت قدم البراقشيين المنتمين إليه، لتأكيد الدعاوى الكاذبة، وشرعنة ضرب الحركات الإسلامية المعتدلة، بدعوى محاربة الإرهاب. وأصبحت ظاهرة الإرهاب مطية لتنفيذ اللعب المهلكة. وفداحة التآمر تتجلى في ضرب الإسلام من الداخل، والاستعانة بطوائف تنتمي إلى الإسلام، ولا تتمثل مقاصده. لقد عَوَّل الأعداءُ على طائفتين واسعتي الانتشار:- (الشيعة) و(الصوفية) وليس أدل على ذلك من إحياء (الصفوية) الجديدة، والتمكين لها من رقاب المسلمين في (العراق)، و(الشام)، و(اليمن)، و(لبنان). وتلميع (الصوفية) بدعم الإنقلاب الصوفي الفاشل في (تركيا)، وتجميع المتسطحين، والمغفلين من العلماء، والمتعالمين في (الشيشان) بقيادة صوفية، لتهميش (الإسلام السني) الأشمل، وتهيئة الأجواء لاستفحال الخرافة، والقبورية، والشطح، وترك ما لقيصر لقيصر. والإسلام المحاصر من كل جانب يظل في نظر أعدائه (ماردًا في قمقمه)، لا يموت فيه، ولا يحيا. وما درى الأعداء أنهم بهذا التحرش، والتحريش يذكون جذوته، ويوقظون حماس أبنائه، مثلما أيقظت حملات (الصليبيين) و(التتار) علماء الأمصار، فأحيوا الموروث، وأيقظوا الهمم، وشرعوا في إعداد الموسوعات العلمية. لتكافؤ المواجهة الفكرية مع المواجهة العسكرية. ونعود لنقول للأعداء من الداخل، ومن الخارج، ولكافة الطوائف، الإسلامية المغرر بها:- أعيدوا حساباتكم فبيضة الإسلام الصحيح باقية {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.