علاء الدين محمود هي وصية الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، المتعلقة بالتحريض على القراءة، وهو بورخيس تحديداً لأنه الكاتب والأديب الذي اهتم بشكل خاص بعملية القراءة، والتبصر فيها وتدقيقها إلى حد قوله: إن إعادة القراءة، وليس القراءة هي ما يهم، والطباعة التي تميل إلى مضاعفة النصوص غير الضرورية إلى حد الدوار- واحدة من أسوأ الشرور البشرية، وكان لبورخيس علاقة عظيمة بالقراءة، فهي الممارسة التي صارت عادة لازمته منذ طفولته، ولم تتشكل حياته على نحو ما يعيش الأطفال، كما لم تلهِهِ الطفولة عن الكنز الكامن في بيتهم، هذا الكنز هو مكتبة والده، التي ارتبط بها ارتباطاً وثيقاً، فتلك المكتبة قد تملكته تماماً فصارت كل حياته، وقد حمل بورخيس اعتقاداً بأنه لم يخرج أبداً من هذه المكتبة ولكأنه مازال يراها ويقضي أيامه فيها. المكتبة العظيمة كانت تتمدد في غرفة واحتوت على الآلاف من الكتب، فمثلت له عوالمه الخاصة، فصارت بالنسبة له أهم مكان في العالم. هذا ما مثلته المكتبة بالنسبة لبورخيس، صارت حياته ومكانه المقدس السري، فتعلق قلبه بالمكتبات، وبرغم هذا الانشداد القوي إلى مكتبة أبيه فإنها لم تكن المحطة الأخيرة في مسيرة حبه للمكتبات، فكان أن انتقل ليعمل في المكتبة العامة الصغيرة في الحي، فكانت تجربة فريدة أخرى لذلك الكائن النهم الذي لا يشبع من التهام المؤلفات، وتسلّم بورخيس مهمته المحببة مديراً للمكتبة الوطنية في بيونس آيرس، لكنها المهمة التي جاءت تحمل مفاجأة غير متوقعة ولا محببة لبورخيس، فقد بدأ نور بصره يتلاشى شيئاً فشيئاً، حتى أسلمه ذلك التلاشي للعمى الكامل، وأي فقد هذا، إنه النور الذي يضيء له ظلام الكتب، غير أن علاقة بورخيس مع الكتاب لم تتغير، فقد وجد في الصبي مانغويل الكاتب الكبير فيما بعد ضالته ونوره الذي أعاده لعوالم الكتابة، والذي يدفعنا هنا لعدم الاعتذار. تلك المبادرات التي نعيشها والتي من شأنها أن تعلي مرة أخرى من شأن القراءة والكتابة والاهتمام بالمكتبات، وهي المبادرات التي على رأسها مبادرة عام القراءة في الإمارات، وإن كنا لن نعتذر، فإننا لا شك نعيد الألق لذكرى بورخيس، ونتلمس سبل تحقيق وصيته بالاهتمام بالقراءة، وربما هذا الأمر اشتققناه من تلك الرسالة الرائعة للكاتبة الأمريكية سوزان سونتاغ، التي أرادت إحياء ذكرى بورخيس عام 1996، على طريقتها عندما كتبت إليه رسالة اعتذار باعتباره أكبر رمز حول الكتابة والقراءة في العالم الغربي المعاصر، وفي الرسالة بثت خوفها من أن تندثر هذه العملية العظيمة القراءة، وأن الكتب لم تعد تقرأ، فهي تعتذر من كون الكتب أصبحت أشياء مهددة بالانقراض. لكننا ربما لن نفعل ذلك مع حالة التحريض على القراءة التي تنتظم في الإمارات، ربما لن نفعل، لأننا سنحقق وصيته أن تصبح القراءة عادة يومية، لنعيد إليها أمجادها. alaamhud33@gmail.com