×
محافظة جازان

«ديوانية الزايد» تكرّم خلف سطام - رياضة محلية

صورة الخبر

انتقل إلى رحمة الله تعالى الشاعر والإذاعي الكبير الأستاذ فاروق شوشة. بأفول نجمه، فقدت الإذاعة المصرية أجمل أصواتها، وفقدت اللغة الجميلة حامل لوائها، وفقد الشعر العربي في مصر ركناً من أركانه، المرحوم فاروق شوشة كان ملء الأجواء الأدبية في مَجْمع اللغة العربية في القاهرة، وفي اجتماعات اتحادات وروابط الأدباء، وفي مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، مع مجلس أمنائها ولجان رصد الشعر في الوطن العربي. كان زميلا لمدة عامين في إذاعة الكويت، تخرج بين يديه مجموعة من المذيعين الكويتيين... استقطبته إذاعات عربية ضيفا وخبيرا ومقدما للبرامج، تمكن من زمام قيادة الشعر العربي في "لغتنا الجميلة".. واللغة العربية لا يتمكن منها كاتبها، بل ذلك الذي يحسن قراءتها بكل ألفاظها، ويحسن قواعدها، مع السيطرة على مخارج ألفاظها وتَوجها بإلقاء حسن وصوت جميل.. كان يصارحني عن كثير من الأدباء والكتّاب العرب الذين يتعالون على المذيعين ومعظمهم لا يحسن قراءة النصوص التي يُسطرونها.. كتَّاب الرواية والقصة المشاهير منهم لا يقرأون الفصحى التي يكتبون بها، لأنهم قَذفوها إلى المراجعين اللغويين ومَرروها إلى من يحسن الكتابة والإملاء.. وتراهم في مقابلاتهم الإعلامية لا يُحسنون الحديث بالفصحى.. وإن دُعوا إلى ندوات ومحاضراتهم تجدهم لا يخوضون إلا في "عامية الشارع". ذهب عمالقة اللغة، وجاء من أسقط من العربية حروفاً لها، وليس كما كان عمالقة اللغة العربية في الإذاعات المصرية والعربية والبريطانية العربية، جاء الآن غالبية من المذيعين والمحاورين من ينطق الثاء سيناً فيقول: السقافة أو "السآفة" العربية، ومن يقلب الثاء أحياناً تاء في قول (اتنين، تلاتة)، وينطقون الظاء زايا مفخمة... أما الذال فانقلبت زايا. جامعة الكويت تحتوي على معظم الشعوب العربية من المدرسين تراهم لا يحسنون نطق هذه الحروف وأصواتها. خطباء مساجدنا حدّث ولا حرج، تراهم يقرأون القرآن الكريم بلهجاتهم، كما كان الشيخ متولي الشعراوي يقرأ القرآن بلهجته العامية... هكذا بعض كُتاب الرواية والقصة وبعض صانعي الشعر الذين لا يحسنون قراءته.. الوقفة المتعالية عند بعض الكتاب والأدباء على المذيعين لو تبارز المذيعون الناجحون مع الأدباء لوجدتهم يتهاوون، غير قادرين إلا على الحديث والقراءة بالعامية. فاروق شوشة طود شامخ هوى، لتخلو الإذاعة المصرية من مقعد أمام الميكروفون. دخل الإذاعة المصرية أستاذ في فقه اللغة تخرج من بلد أوروبي حمل معه للإذاعة المصرية فلسفة جديدة قال فيها إن حرف "الجيم" العربي الذي صنّفه في كتبه اللغوية قد هجر مكانه من القرآن الكريم والعربية الفصحى في مسيرة حضارية ليكون هكذا (ga)، وأطلق على هذا الصوت جيما قاهرية ولا علاقة لهذا الصوت بالقاهرة إنه من عامية اليمن وعُمان والسودان والحجاز. أما نحن في الكويت، وعندما كنت أنا كاتب هذه السطور مسؤولا عن البرامج الأدبية والثقافية ولجنة اختبار المذيعين، فقد اشترطنا على من يريد العمل كمذيع عندنا أن ينطق "الجيم" بالفصحى القرآنية، وتبعتنا إذاعات دول شبه الجزيرة العربية في ذلك. أما إذاعة لندن العربية بعد أن كانت جامعة عريقة على الهواء، فقد ذهب عمالقتها ولم يبق منهم إلا القليل. والغالبية أسقطوا في حواراتهم النصب والكسر.. واكتفوا في حركة الرفع وهو الضم هكذا يقولون: "في بحثُنا، في بلدُنا، رأينا أساتذتُنا"، أي صار الكسر والنصب مبيناً... وفي رقعة كبيرة من شبه الجزيرة العربية هكذا صار البناء على الفتح في النصب والكسر مثل "في بيتَنا، وفي بلادَنا"، حيث أسقطوا الكسر.. عندما هوى الطود اللغوي فاروق شوشة، رحمه الله، ترحّمتُ أيضا على اللغة العربية، كما ترحم عليها الشاعر الكبير حافظ إبراهيم... في "اللغة العربية تَنْعَى حظها بين أهلها": رَجَعْتُ لنفْسِي فاتَّهمتُ حَصاتِي وناديْتُ قَوْمِي فاحْتَسَبْتُ حياتِي رَمَوني بعُقمٍ في الشَّبابِ وليتَني عَقِمتُ فلم أجزَعْ لقَولِ عُداتي وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظاً وغايةً وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ أنا البحرُ في أحشائه الدُّرُ كامنٌ فهل ساءلوا الغوّاص عن صَدَفاتي؟ أرى لرِجالِ الغَربِ عِزّاً ومنعة وكم عَزَّ أقوامٌ بعِزِّ لُغاتِ عزائي لأسرتَي شوشة والحديدي، تغمد الله برحمته الواسعة فقيد الإذاعة العربية، واللغة العربية، ومجامع اللغة العربية والإذاعات المصرية واتحاد الإذاعات العربية.