تمخضت معركة قانونية استمرت على مدى عامين ونصف العام بين جولدمان ساكس وصندوق الثروة السيادية الليبي البالغ حجمه 67 مليار دولار، عن انتصار عملاق وول ستريت الذي حصل على البراءة، رغم كشف مخجل عن كيفية قيام بعض مصرفييه بأداء أعمالهم. وأصدرت المحكمة العليا في لندن حكما لصالح جولدمان ساكس الجمعة مع رفض القاضية فيفيان روز لحجج الصندوق التي قدمها على مدى محاكمة مؤلمة استمرت سبعة أسابيع. وبينما من المرجح أن تقدم المؤسسة الليبية للاستثمار طعنا على الحكم وفقا لمصدر مطلع فإن التفاصيل الصادمة التي تتوالى عن القضية تشد انتباه المراقبين بشدة نظرا لطبيعة الأطراف المعنية واللمحة التي عرضوها عن العالم السري لاستثمارات الصندوق السيادي التي تبلغ مليارات الدولارات. وتركز النزاع علي 1.2 مليار دولار دفعتها المؤسسة الليبية للاستثمار إلى جولدمان ساكس للاستثمار في تسع معاملات في مشتقات الأسهم تبين لاحقا أنها عديمة القيمة. وفي أثناء المحاكمة انشغل المراقبون بقصص عن كرم الضيافة بما في ذلك مباريات لكرة القدم والملاهي الليلية والمسرحيات الموسيقية في لندن ويست إند وفي حالة واحدة استقدام عاهرات. على المحك كانت هناك إمكانية الوصول لنحو 35 مليار دولار متاحة للمؤسسة الليبية للاستثمار بعد خروج ليبيا من عزلتها الدولية. ولم يكن مفاجئا أن تتحول ليبيا سريعا إلى نقطة جذب للبنوك الأجنبية ومديري الصناديق. ووصف على الباروني وهو شاهد لصالح الصندوق عمل كمستشار للمؤسسة الليبية للاستثمار في ذلك الوقت اجتماعا عقد في يوليو تموز 2007 مع جولدمان ساكس حيث «انهالت» عليه فرص الاستثمار المحتملة. لكن جولدمان ساكس لم يكن وحيدا في السعي لنيل اهتمام الصندوق. ففي أول عامين من تدشينه استثمرت المؤسسة الليبية للاستثمار بكثافة في بدائل مثل صناديق الاستثمار المباشر وصناديق التحوط والديون متوسطة المخاطر بما في ذلك المشتقات المهيكلة وفقا لتقرير أعده خبير لدي المؤسسة الليبية للاستثمار كان شاهدا على قدرة الاستثمارات على الاستمرارية. وأشارت القاضية روز في حكمها إلى ذلك قائلة، إنه رغم أن المعاملات التسع المتنازع عليها جرى اعتبارها غير ملائمة لصندوق ثروة سيادي فإنها لا تختلف في هذا الصدد عن العديد من الاستثمارات التي قامت بها المؤسسة الليبية للاستثمار في تلك الفترة. وقالت روز إن مديري المؤسسة الليبية للاستثمار كلفوا بتحقيق عوائد مرتفعة عن تلك التي كانوا يأملون في تحقيقها عبر معاملات اعتيادية مما يقدم تفسيرا محتملا لاختيارهم استثمارات ذات طبيعة مضاربة. وكان جولدمان ساكس قد أكد في وثائقه المقدمة للمحكمة أن المؤسسة الليبية للاستثمار كانت واقعة تحت ضغوط سياسية وداخلية للدخول في استثمارات كبيرة من أجل تحقيق عوائد سريعة. وقال البنك إن «كسادا ماليا غير متوقع» تسبب في الخسائر وليس أي مخالفات من جانب البنك وأن القضية ببساطة كانت عبارة عن «ندم المشتري» على ما قام به من معاملات. أساس الخلاف وكانت حلقة الخلاف الرئيسية في المحاكمة هي ما إذا كان موظفو الصندوق استوعبوا بالفعل ما الذي يقومون بالاستثمار فيه. ورغم أن محامو المؤسسة الليبية للاستثمار قالوا إن جولدمان ساكس استغل نقص الخبرة لدى الصندوق إلا أن القاضية روز قالت إن المؤسسة الليبية للاستثمار بالغت كثيرا في تصوير مدى سذاجة موظفيها. واعترفت المؤسسة الليبية للاستثمار بأن جولدمان ساكس دعا موظفيه إلى الشراب والطعام وقدم لهم هدايا مثل أجهزة مشغلات الموسيقي «أيبود» وكذلك عرض تدريبا مرموقا علي هيثم زرتي الشقيق الأصغر لمصطفى زرتي أحد صناع القرار الرئيسيين بالصندوق. لكن القاضية روز قالت إنها لا تعتقد أن التدريب كان له تأثير جوهري على قرار مصطفي زرتي بالدخول في معاملات مع جولدمان ساكس. وقررت أيضا أن الدافع الرئيسي وراء هذا العرض كان اعتقاد البنك بأن هيثم ربما يجري اختياره لقيادة مكتب المؤسسة الليبية للاستثمار في لندن. وحتى التفاصيل الفاضحة المتعلقة بكيفية قيام يوسف كباج الذي عمل مسؤولا تنفيذيا للمبيعات لدي جولدمان ساكس ببناء علاقة وثيقة مع المؤسسة الليبية للاستثمار لم تنل سوي اهتماما عابرا من قبل القاضية. وأدعت المؤسسة الليبية للاستثمار أن كباج دفع نفقات سفر هيثم زرتي من المغرب إلى دبي على نفقة جولدمان ساكس كما تكفل بنفقات إقامته في فندق ذا خمس نجوم ورتب قيام عاهرتين بقضاء الليل بصحبته بتكلفة بلغت 600 دولار. ونفي كباج الذي لم يظهر كشاهد ويبقى ملزما باتفاق صارم للسرية مع جولدمان ساكس دفع أموال مقابل «ترفيه غير لائق». وقالت القاضية روز إن مدى الترفيه الذي عرضه كباج على هيثم كان «غير لائق وخرقا صارخا لسياسة جولدمان ساكس في الترفيه عن عملاءه». وقال محامو المؤسسة إن جولدمان ساكس أساء استغلال مركزه كمستشار موثوق به. ويدعي جولدمان ساكس أنه كان واضحا دائما في أنه والمؤسسة الليبية للاستثمار كانا يتعاملان مع بعضهما البعض كأطراف تجارية وأنه حافظ مع عميله على علاقة بين طرفين مستقلين يقفان على قدم المساواة. ومرة أخرى وجدت القاضية روز أن ذلك يصب في صالح جولدمان ساكس قائلة «حقيقة أن جولدمان ساكس كان مستعدا لبذل جهد إضافي عند التنافس على هذا العمل من خلال إبقاء السيد كباج في طرابلس لمساعدة المؤسسة الليبية للاستثمار لا يعني أنهم كانوا في علاقة مختلفة عن العلاقة التي كانت قائمة بين المؤسسة الليبية للاستثمار وغيرها من الأطراف المتعاملة معها». وتصدرت هذه العلاقة اجتماعا عاصفا في مكاتب المؤسسة الليبية للاستثمار في 23 يوليو تموز 2008 حيث توعد مصطفي زرتي نائب رئيس الصندوق حينئذ ممثل جولدمان ساكس وهدده بالسعي خلف عائلته وفق ما قالته كاثرين مكدوجال وهي أحد الشهود للمحكمة. ووصف جولدمان ساكس الحكم بأنه «حكم شامل لصالحنا» في حين أعربت المؤسسة الليبية للاستثمار عن خيبة أملها وقالت إن جميع الخيارات يجرى دراستها في الوقت الحالي. والصندوق مصدر هام محتمل لتمويل إعادة بناء ليبيا بعد سنوات من الحرب والفوضى لكن بعض أصوله كانت تخضع لعقوبات الأمم المتحدة منذ الإطاحة بالحاكم السابق للبلاد معمر القذافي في 2011. ومازال هناك صراع سلطة محتدم على الصندوق. وتطالب المؤسسة الليبية للاستثمار أيضا بنك الاستثمار الفرنسي سوسيتيه جنرال بنحو 2.1 مليار دولار تتعلق بمجموعة من المعاملات التي تمت في الفترة بين 2007 و2009. ويطعن سوسيتيه جنرال في الدعوى المتوقع أن تنظر فيها المحكمة في أبريل نيسان 2017.