"من وانغ لاي مينغ" إلى "تيرنس كينغ"، هكذا يحكي كينغ رحلته مع اسمه من سنغافورة إلى نيوزيلاندا، بعد أن هاجر إليها عام 2000، ليتفاجأ بصعوبة الحصول على عمل رغم مؤهلاته. كان كينغ، يُقدّم طلبات التوظيف خمس مرات أسبوعياً، ورغم أنه حاصل على الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة بريطانية، إلا أنّه لم يتلق رداً واحداً لإجراء مقابلة عمل. اختلف الأمل عندما قرر أن يُغيّر اسمه، فهو الآن أصبح مُحاضراً في التجارة والأعمال. مُؤهلاته واسمه الإنجليزي الجديد، يجعلانه واثقاً من إيجاد وظيفة دائمًا. وفقاً ل الباحث بجامعة ماسي، فثمّة اعتقاد يسري لدى أصحاب الأعمال، بأنّ المهاجرين ليسوا على علم بتقاليد البلد وعاداتها، وهو ما قد يُوحي بافتراضات تمييزية على أساس العرق. حلم الديمقراطية وفرص العمل المتعادلة تتغنى بلاد العالم المتقدم بالحضارة المتنوعة والغنية، وبالفرص الذهبية التي تقدم للجميع على قدم المساواة، وهو ما يجعلها قبلة لمختلف الأطياف. لكن الأمر ليس كذلك دوماً. لم يكن كينغ الشخص الوحيد الذي صادف هذا الأمر، إذ أرسل باحثون من جامعة تورونتو في كندا، سِيَرًا ذاتية إلى أصحاب عمل في مدن كندية، لإجراء دراسة بعنوان "لماذا يُفضّل أصحاب العمل مُقابلة ماثيو وليس سمير؟". كانت النتائج صادمة بدرجة ما، فالمتقدمون إلى الوظائف بأسماء صينية أو باكستانية أو هندية، كانوا أقل حظاً بنسبة 40%، من نظرائهم أصحاب الأسماء الغربية. كانت الدراسة مخيبة للآمال أيضاً، إذ تُسبّ كندا على أنها واحدة من أكثر الدول انفتاحاً على تعدد الأعراق والثقافات، على عكس غيرها الكثير من الدول "المتقدمة". تكرر الأمر أيضاً في كل من الولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا، حيث وُجد أن هُناك تحيّزاً عرقياً تجاه الأقليات، في الحصول على الوظائف، وغالباً ما تكون الأسماء حَكماً في ذلك. يقول نيكولا جاكومي، المشارك في إعداد تلك الدراسة، من كلية الإدارة والاقتصاد، إن "الطيور على أشكالها تقع، ويفضل البشر التمسك بأناس من عرقهم. ليس ذلك تقليلاً من شأنهم، لكن لأنهم فقط لا ينتمون إلى عرقهم". يصل الأمر إلى كُبرى الشركات، التي تفتخر بأنها من أفضل أماكن العمل، كشركة جوجل، التي كشف تقرير في 2015، أن 60% من قوتها العاملة من العرق الأبيض. واعترف النائب الأول لرئيس الشركة، لازلو بوك، بشكل واضح، في مقابلة أُجريت معه على قناة "بي بي إس"، أن ذلك الأمر بمثابة سياسة داخل الشركة، قائلًا: "نحن بشر، ونتيجة لهذا، فإننا نحبذ أناساً يماثلوننا. وبالتالي، نجسد تحيزنا اللاشعوري هذا في كل ما نقوم به". الأسماء السهلة أكثر نجاحاً في الحياة العملية في دراسة أجرتها جامعة، وجد آدم ألتر، الأخصائي النفسي، أن الأسماء سهلة النطق، تجعل أصحابها أقرب للحصول على الوظائف من غيرهم. أمر شبيه يحدث مع الشركات ذات الرموز والأسماء البسيطة، إذ تميل كفتها في سوق الأسهم، عن غيرها من الشركات، وعلل الباحثون ذلك بقولهم: "نحن نكون أكثر ارتياحًا إذا عرفنا كيف ننطق الشيء". وتكشف الأبحاث عن أنه إذا ما كان اسمك شائعًا، فإن ذلك يجعلك مُرشحاً أكثر من غيرك للحصول على عمل، لأن الاسم الشائه، يُشعر من حولك أنه بسهولة يُمكن الاستعانة بك. أيضا كلما كان اسم عائلتك أقرب إلى بداية الأبجدية، كلما زادت فرصك في الحصول على أفضل المدارس ووظائف العمل، ففي دراسة أُعدت في الجمهورية التشيكية، قارنت بين 90 ألف اسم، وقربها من الأبجدية، وفرص حصولهم على أماكن جيّدة في المدارس والجامعات، وُجد أن الأكثر قربًا من بداية الأبجدية، يحصلون على مكانة وظيفية أفضل، بغض النظر عن تحصيلهم العلمي. الغريب في الأمر، أن الشركات تميل غالبًا إلى توظيف الذين تتشابه أسماؤهم، مع اسم الشركة المتقدمين للعمل فيها! وفي عام 2011، حلل موقع "لينكد إن"، أكثر من 100 مليون ملف لتعريف المستخدم؛ لمعرفة أكثر الأسماء المرتبطة بالمدير التنفيذي، فوجد أن من بين الرجال، كانت الأسماء القصيرة ذات المقطع الواحد، هي صاحبة الحظ الأوفر، فيما اختلف الأمر مع النساء، إذ يملن أكثر إلى استخدام الأسماء الكاملة، لما في ذلك من إضفاء لبعض الجاذبية، كما نوّه التحليل. التمييز ليس فقط ضد العرق والأقليات يظن البعض أن أصحاب الأسماء ، لديهم ميول إجرامية، ويتورطون أكثر من غيرهم في الجُنح، ففي دراسة أُجريت عام 2009، بجامعة شيبنسبرغ، وجد الباحثون أنه بغض النظر عن العرق والعمر وتاريخ العائلة، فإن الأشخاص أصحاب الأسماء غير المألوفة، يُشتهر عنهم السلوك الغريب. وأوضحت الدراسة أن السبب ليس في الاسم نفسه، ولكن ثمة رابط بين هؤلاء، وهو أنهم يُعاملون بصورة مختلفة عن أقرانهم، ما يُصعّب عليهم تكوين علاقات، الأمر الذي يجعلهم أكثر عرضة للجنوح نحو الجريمة، لأنهم يكرهون أسماءهم، وربما أنفسهم بالتالي. وجدت الدراسة أيضًا أن المهن التي يُهيمن عليها الرجال، مثل الهندسة والمحاماة، تنجح فيها المرأة ذات الاسم الغامض، الذي يُحتمل أن يكون لرجل أو امرأة، ويسهل عليها الترقي في السلم الوظيفية، بالمقارنة مع زميلاتها. تحايل على وغير اسمك في العام الجاري، أُجريت دراسة بالتعاون بين جامعة تورنتو الكندية، ومجلة "أدمنستراتيف ساينس كوارترلي" العلمية، كشفت أن 40% من الأشخاص المنتمين إلى الأقليات، يعملون على تبييض سيرتهم الذاتية، وتغيير أسمائهم حين يتقدمون إلى العمل، وذلك بغية تحصين أنفسهم ضد التمييز العرقي، ولذا فإنهم عادة ما يختارون أسماء إنجليزية، ولا يكشفون عن أي شيء قد يُوضح تاريخهم العرقي في سيرهم الذاتية. يقول كونراد بريثويت، مؤسس شركة "يو كي ديد بول"، المعنية بتوفير تسهيلات قانونية لمن يريد تغيير اسمه، إن "الآلاف من المقيمين في بريطانيا، يقومون بتغيير أسماءهم كل عام، هرباً من التمييز العرقي"، مُوضحاً أن "الأمر في غاية السهولة، ومن الطبيعي أن نشهد كثرة استخدامه". يُوضح بريثويت أن سنوات الخبرة، والشهادات المعتبرة، ليست بالأمور التي تُساعد أصحابها دائماً، بخاصة في الدول "المتقدمة". اسمك وحده الأكثر تأثيراً! ولا يأخذ البعض الأمر بهذه السهولة، إذ تشير "راتنا أوميدفار"، المديرة التنفيذية لمؤسسة "جلوبال دايرفيستي إكستشنج"، المعنية بالتنوع والهجرة واﻹدماج، في كلية تيد، بجامعة رايرسون في تورنتو الكندية، أنها كانت على وشك تغيير اسمها عندما وصلت إلى كندا أول مرة، عام 1981، لكنها لم تستطع القيام بذلك، "لأن اسمي جزء مني تماماً، كما هو الحال مع لون بشرتي"، تُوضح راتنا أوميدفار. على ما يبدو إذاً، ثمّة فجوة دائمة بين الأقليات في العالم، نتيجة التمييز العرقي، رغم التطور العلمي، والكوارث البيئية، والمخاطر العالمية التي نتشاركها كسكان لكوكب واحد. لكن هل سيبقى الحال كما هو الآن، بخاصة مع ازدياد أعداد اللاجئين والنازحين حول العالم؟