على غرار وسيلة نقل التكتك في الهند والتكتك في مصر، كان لدينا في سوريا تكتك سوري، وقد وصل انتشاره في سوريا بنسبة تشابه النسبة المنتشر فيها الآن في مصر. لكن كان يطلق عليه في سوريا عدة أسماء، فهو "الطرطيرة" في دمشق، و"الطريزينة" في حلب، وكل محافظة كانت تطلق عليه الاسم الذي تراه مناسباً. لكن في دولة كدولة البعث، حيث تخفي ما تريد وتظهر ما تريد، فإنها لم تكن تعترف به رسمياً -وهذا يفسر عدم وجود اسم موحد له- فكان ككل الأشياء في سوريا -كالبسطات مثلاً- ممنوعاً على المستوى الرسمي، ومسموحاً على المستوى الشعبي، وهناك حملات تطهير ضدها بين الفينة والأخرى. كل من سكن في سوريا ركبه مرة أو اثنتين على الأقل، كيف لا وهو الذي يعتبر مركب الفقراء الذين يشكلون الشريحة الأكبر في سوريا؟ وهو كالتكتك المصري، تصنيع محلي، وله عدة إصدارات وموديلات، تصنّعه كل محافظة في مدينة مخصصة لتصنيع الآليات الممنوعة، ففي حماة يصنع في حلفايا، وفي حلب يصنع في الشقيّف، وهكذا دواليك، ولم تكن الدولة تسمح بانتشاره أو إعطاء سائقيه تراخيص خاصة، على الرغم من الحاجة الماسة لوسيلة نقل تساعد المواطن البسيط على تنقلاته وعمله، المواطن الفلاح والبنّاء والبائع المتجوّل، وحتى عمال النظافة. فكانت الدولة تخفيه حتى عن عيون الإعلام غير الموجود أصلاً، على الأقل لم تكن تظهره في الدراما كواحدة من وسائل النقل المنتشرة في سوريا، عدا مرتين يتيمتين، لكن تم إظهارهما كحالة خاصة وبشكل كوميدي غير محبب؛ الأولى في مسلسل بهلول في دور المهبول مع "طرطيرته"، والثانية في مسلسل الانتظار بدور أدَّاه آندريه سكاف للمدمن الذي يركب "الطرطيرة". إذاً لم يكن النظام يظهر "الطرطيرة السورية" في الدراما كما فعل النظام المصري بإظهاره التكتك في الدراما وحتى في الأفلام المصرية، ولا شك هنا أن النظام المصري متقدم بمساحة الحريات على النظام السوري بأشواط كثيرة، ولا يزال في عهد السيسي متقدماً بذات الأشواط الكبيرة على النظام السوري بعد ثورة اندلعت ضده منذ ستة سنوات. هنا ننوه بأنه وفي الآونة الأخيرة، أي قبل اندلاع الثورة بعدة سنين، قام النظام السوري بحملة ضد وسائل النقل هذه، فصادرها وأتلفها؛ ليسمح للشعب بالبديل، والبديل هنا هو تكتك آخر، لكن أكثر تطوراً بقليل، ويشبه السيارة إلى حد ما، وقد سماه السوريون عدة أسماء، ففي دمشق سموه "الهونداية"، وفي حلب سموه "السوزوكي"، وهي مركبة "بيك آب" تتسع لشخصين من الأمام مفتوحة من الخلف، وهي مرخّص بها، وثمنها لا يساوي إلا ثمن نصف بيت المواطن، فكان البعض يتشاركون على شراء واحدة، والمقتدر مادياً يشتريها منفرداً. الجدير بالذكر هنا أن هذه الخطوة لم تأتِ خدمةً للشعب، أو نتيجة تفكير القيادة العليا بمصلحتهم العليا، وإنما جاءت خدمة للمستورد الحصري لوسائل النقل هذه، والذي هو شريك القائد، أو بالأحرى واجهته التجارية؛ لتمتلئ البلاد بالسيارة رقم واحد انتشاراً (السوزوكي)، فهي للرحلات السياحية وللتنقلات داخل المدينة للأشخاص والبضائع، وللباعة الجوالين والبسطات، وللزبالة والتنظيفات، والمعمار والنجار والحداد وللزينة أيضاً، فهواة تزيين الطرطيرات الممنوعة باتوا يمارسون هوايتهم بتزيين السوزوكيات المسموحة، والتي اشتروها بنحو نصف مليون ليرة سورية، أي ما يعادل ناتج عملهم عليها لخمس سنوات وأكثر. وهكذا حافظت الدولة على شكلها الذي تريد إظهاره، وأثبتت بالدليل القاطع أنه لا يوجد لدينا تكتك في سوريا الأسد. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.