×
محافظة مكة المكرمة

الإطاحة بإفريقيين مجهولي الهوية في ” تربة “

صورة الخبر

كلما اجتمع وزراء الثقافة في دول الخليج العربية، تفاءل المثقفون بهذا الاجتماع، وفي أذهانهم أسئلة لا تزال تبحث عن أجوبة عن وضع الثقافة في هذه الدول، حيث لا تنتظم المثقفين مؤسسات مدنية مؤهلة لحمل همومهم وحل قضاياهم ومساعدتهم على الإسهام الفاعل والإيجابي في الأوضاع التي تعيشها مجتمعاتهم، فظلت الثقافة حتى على المستوى الرسمي عاجزة عن تنمية الوعي بواقع الحال الذي أصبح أو يكاد مجهولا بالنسبة للمواطن دون أن يجد في ثقافته أو إعلامه ما ينير دربه بالحقائق التي قد تصله من جهات مشوهة وموظفة لأغراض مشبوهة، حيث لا تزل لغة الرقابة والمنع سائدة في زمن تخلص الناس فيه من حواجز الزمان والمكان، لتصبح فضاءات المعرفة مفتوحة أمامهم ودون حدود أو قيود. وفي أروقة هذه الاجتماعات يكثر الحديث عن الاستراتيجية الثقافية لدول مجلس التعاون، وغالبا ما تنتهي هذه الاجتماعات بإصدار توصيات او حتى قرارات هي في الغالب لا تعرف الطريق إلى التنفيذ، مع أن هذه الاستراتيجية - الطيبة الذكر - قد أقرت من المجلس الأعلى منذ عام 1987 في دورته الثامنة التي عقدت في الرياض في العام المذكور، وتضمنت أهدافا قادرة على تحريك الركود في الثقافة الخليجية، وتتلخص أهداف هذه الاستراتيجية في: (إثراء شخصية المواطن بتعزيز وعيه بعقيدته وتراثه وحريته وكرامته وانتمائه، والحفاظ على الهوية الحضارية العربية الإسلامية، والتأكيد على أن اللغة العربية هي المكون الأساس لشخصية المواطن في دول مجلس التعاون، وتعزيز الوحدة الثقافية بين دول مجلس التعاون، بدعم مسيرتها في مناحيها المختلفة، من سياسية واجتماعية واقتصادية وتعليمية وإعلامية، وتنمية صيغ التبادل الثقافي بوصفها عنصر التآخي ضمن الإقليم الواحد، وعنصر التقارب والتعاون مع الثقافات الأخرى، واعتبار المنظور القومي والإسلامي بعدا تنمويا ثقافيا، تعزيز الدور الثقافي للمرأة والبرامج الثقافية للأطفال، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني وخاصة المؤسسات الثقافية بما يخدم الأهداف العامة للاستراتيجية) ويمكننا أن نقف طويلا عند هذا الهدف، وهو تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني وخاصة المؤسسات الثقافية، والسؤال هنا: أين هي مؤسسات المجتمع المدني الثقافية في دول الخليج العربية، جمعيات الأدباء، أو جمعيات الكتاب، أو جمعيات الصحفيين؟!. العلة هنا أن الثقافة أوكلت إلى من لا تعنيهم الثقافة كما يبدو من واقع الحال، لذلك لا زال ولاة أمرها في شغل شاغل عنها، لأن مهماتهم الرسمية تحجب عن أنظارهم رؤية واقع الثقافة، وإن التفتوا إليها فإن نظرتهم ستظل أسيرة البيروقراطية الإدارية التي تحكم العمل الرسمي، وهو في معظمه عقبة في طريق الثقافة الملتزمة بمسئولياتها الوطنية والأخلاقية تجاه المتلقي، الذي لا يجد في ثقافته المحلية سوى كل مستهلك ومكرر وهزيل، وهذه نتيجة طبيعية لمحاولات عزل المثقف عن معرفة ما يجري من حوله، بل حتى المؤسسات الإعلامية التي كانت تخدم الثقافة، قد اختفت أو تقلص إنتاجها، فأين هي مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك، وجهاز تلفزيون الخليج، ووكالة أنباء الخليج، ومركز التراث الشعبي، ومركز تنسيق التدريب الإذاعي والتلفزيوني، ومركز التوثيق الإعلامي، وغيرها من المؤسسات الرسمية التي كانت تسهم في إنعاش الثقافة، فهي قاعدة ينطلق منها صوت المثقف، ليصل إلى مساحات أكبر مما هي عليه الآن. الثقافة هي صوت الشعوب، وعلامة تحضرها، ووسيلة إسهامها في إنعاش الجوانب الإنسانية في حياة الناس، ودفن الهوة السحيقة التي أوجدتها سيطرة المادة على حياة البشر، كما أن الثقافة بالتزامها بقضاياها الإنسانية والوطنية تتصدى لمحاولات التخريب التي تتعرض لها المجتمعات بسبب سيطرة الثقافات الوافدة، وجنوحها إلى التغريب بهدف عزل الشعوب عن ثقافاتها الأصيلة، واستبدالها بثقافات هجينة، تضعف هذه الشعوب، وتبعدها عن قيمها وأهدافها السامية، وأصالة الثقافة تتجسد في تصديها للزيف والأحقاد والمواقف الموتورة التي يحاول أصحابها تشويه واقع المجتمع والناس، وما حملات الدعاية واستهداف الأمن، وزعزعة الثقة بالثوابت، سوى وجه قبيح من وجوه تغييب الثقافة، أو تحييدها حين التعاطي مع الواقع، فهل يدرك وزراء الثقافة هذه الأبعاد؟.