×
محافظة جازان

كبشان على الطريق

صورة الخبر

الدوحة الراية : أعاد الهبوط الذي طرأ مؤخراً على قيمة الجنيه الاسترليني إلى دائرة الأضواء مرة أخرى الآثار السلبية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي على الاقتصاد البريطاني. فبعد التدهور الحاد في النشاط الاقتصادي عقب التصويت لصالح الخروج مباشرة، أظهر الاقتصاد البريطاني مرونة طوال أشهر الصيف. وربما كان ذلك بسبب التوقعات باستمرار الخروج الناعم من الاتحاد. وقد أمل البعض حتى في إمكانية إلغاء قرار الخروج. غير أن التصريحات التي صدرت مؤخراً من مسؤولين حكوميين في المملكة المتحدة قد زادت من احتمال خروج خشن لبريطانيا من الاتحاد الأوربي، الأمر الذي قد يلحق الضرر باقتصادها. فبسبب اختيارها لمغادرة الاتحاد على نحو متعجل وخشن، فإن بريطانيا تتكبد الآن التكاليف الاقتصادية التي هي ثمن خياراتها السياسية. وذكر التحليل الاقتصادي الأسبوعي الذي أصدره أمس بنك قطر الوطني، أن بيانات النشاط الاقتصادي في المملكة المتحدة ارتفعت بعد انخفاض حاد عقب التصويت لصالح الخروج مباشرة. كما تحسنت ثقة المستهلكين في شهر سبتمبر بعد أن كانت قد انخفضت إلى أدنى مستوى لها منذ نهاية عام 2013 في شهر يوليو. وأشارت استطلاعات مؤشر مديري المشتريات إلى انتعاش قطاعات التصنيع والخدمات والبناء في سبتمبر على النقيض من التراجعات واسعة النطاق التي تم تسجيلها في يوليو. كما تم رفع تقديرات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الربع الثاني من 0.6% إلى 0.7%. ومن المحتمل أن يكون مردّ ذلك الانتعاش هو وجود توقعات بإمكانية الرجوع عن قرار الخروج من الاتحاد أو تلطيف تنفيذ القرار ليكون خروجاً ناعماً. لقد كانت مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي دائماً قضية مفاضلة بين الاقتصاد (الوصول إلى السوق الأوروبية الموحدة) والخيارات السياسية (السيطرة على الهجرة إلى المملكة المتحدة). النسخة الناعمة من الخروج تفضل الاقتصاد على السياسة، حيث إنها تسمح بحرية حركة الأشخاص مقابل الوصول إلى السوق الأوروبية الموحدة. وعلى ذلك فإنها لا تمثل تغييراً جذرياً في وضع بريطانيا عما كان عليه قبل الاستفتاء. ولذا، فليس من المستغرب أن تظهر البيانات انتعاشاً في النشاط الاقتصادي عندما كان يبدو أن ذلك هو الخيار الأرجح. وقد زاد أيضاً من احتمالات خروج بريطانيا بشكل ناعم من الاتحاد حقيقة أن الحكومة لم تكن تبدو في عجلة من أمرها لتفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة (إشارة بدء المفاوضات الرسمية للخروج). وقد تكون التصريحات المتبادلة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي نوعاً من التكتيك التفاوضي، لكن الخطر المتزايد الذي يتمثل في الخروج غير السلس لبريطانيا من الاتحاد الأوربي قد يؤثر سلباً على الاقتصاد. ففقدان بريطانيا لإمكانية الوصول إلى السوق الأوربية الموحدة سيلحق ضرراً بالغاً بصادرات المملكة المتحدة نظراً لأن الاتحاد الأوربي يمثل أكبر وجهة للصادرات البريطانية. كما يمكن للشكوك بشأن مستقبل العلاقة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أن تقلص الاستثمار أكثر. وتشير استطلاعات بنك إنجلترا بشأن نوايا الاستثمار إلى حدوث تراجع حاد في فصل الصيف، على الرغم من الاستقرار الكلي للبيانات. كما أن الشركات التي تقدم الخدمات المالية في المملكة المتحدة معرضة أيضاً لخطر فقدان حقوقها للعمل في الاتحاد الأوروبي، وقد تقرر هذه الشركات الخروج من لندن. وسيشكل ذلك ضربة قوية للاقتصاد البريطاني، حيث إن الخدمات المالية تمثل 7% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة. وبإيجاز يمكن أن نعزو الانتعاش الذي شهده اقتصاد المملكة المتحدة خلال فصل الصيف إلى التفاؤل بشأن إمكانية خروج بريطانيا بشكل ناعم وسلس من الاتحاد الأوربي. لكن أداء الاقتصاد البريطاني قد يغير وجهته الآن نتيجة للموقف المتشدّد من قبل الحكومة التي تصر على التمسك بالحد من الهجرة حتى لو أدى ذلك إلى التضحية بالوصول إلى السوق الأوربية الموحدة. ونتيجة لذلك نتوقع أن يتباطأ النمو في المملكة المتحدة من 1.8% في عام 2016 إلى 0.7% في عام 2017. وبالنظر إلى الهبوط الأخير في قيمة الجنيه الاسترليني - الذي تراجع إلى أدنى مستوى له في 30 عاماً مقابل الدولار الأمريكي- يبدو أن الأسواق المالية تتفق مع هذه الرؤية.