«أقرأ عن وطني» مساحة من المعرفة تخصصها «الإمارات اليوم» لتعريف القرّاء من مختلف الأعمار بدولة الإمارات، من خلال طرح موضوعات ترتبط بالهوية الوطنية، وتاريخ الدولة وثقافتها، وتراثها ولهجتها وإنجازاتها، وكل ما يرتبط بهوية ومكونات الدولة، والشخصية الإماراتية، وهو ما يصبّ في تحقيق أهداف نشر المعرفة والثقافة التي يستند إليها «عام القراءة». بخلاف ما يعتقد كثيرون، لا يقتصر تراث الدول والشعوب على المقتنيات الأثرية والمباني القديمة والحلي التقليدية والأزياء فقط، فهناك نوع آخر من التراث من الصعب الإمساك به أو تخزينه للحفاظ عليه، لأنه جزء من الحياة اليومية لأفراد المجتمع وعاداتهم وتقاليدهم والأنشطة التي يمارسونها في عملهم ولهوهم أيضاً، فالتراث، بحسب تعريف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، هو ميراث المقتنيات المادية وغير المادية التي تخص مجموعة ما أو مجتمعاً لديه موروثات من الأجيال السابقة، وظلت باقية حتى الوقت الحاضر ووهبت للأجيال المقبلة. «إن دولة الإمارات العربية المتحدة، بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، تعمل على ترسيخ المهرجانات التراثية والثقافية كرسالة للأجيال الحاضرة والمقبلة، مفادها أن صون التراث العريق والمحافظة على عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة، يعد أحد أهم مقومات الحفاظ على هويتنا الوطنية ورصيدنا الحضاري والإنساني». صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة وتتميز الإمارات بتراث ثقافي غير مادي غني في مجالات الأدب الشفهي والفولكلور والتقاليد والمعتقدات الشعبية والحرف والأعمال اليدوية التقليدية والأغاني والرقصات، بالإضافة إلى الألعاب والرياضات الشعبية والفنون الاستعراضية، التي تعد جزءاً من الحياة اليومية في المجتمع الإماراتي، إلى جانب غناها بالتراث المعنوي الذي يتمثل في الحِرف والصناعات التقليدية والزي الإماراتي والأغاني والرقصات والرياضات التقليدية والأكلات الشعبية الإماراتية والحياة البحرية. وبشكل عام؛ قسمت «اليونسكو» التراث المعنوي إلى خمسة أقسام رئيسة: هي التراث الشفهي بما يحويه من لغة و شعر وأمثال وألغاز وحكايات، وغيرها من أنواع الأدب الشفاهي. وفنون الأداء، والموسيقى، والزفات الشعبية والرقص وخلافه. والقسم الثالث يضم العادات والتقاليد والاحتفالات ومهارات الطعام وتقاليد الأواني. ويشمل القسم الرابع المعارف الشعبية والمعتقدات مثل الطب الشعبي، الإيمان بالسحر وخلافه. أما القسم الخامس فيضم المهارات المرتبطة بالحِرف والصناعات اليدوية. ويمثّل التراث بشقيه جزءاً مهماً من هوية الدولة والمجتمع، ولذلك تبذل كل دولة ما في وسعها للحفاظ على تراثها. وتولي دولة الإمارات العربية المتحدة اهتماماً كبيراً بالتراث بشقيه المادي والمعنوي، وتبذل الكثير من الجهود للحفاظ عليه، وهناك العديد من المؤسسات التي تعمل على تحقيق أهداف الدولة في الحفاظ على التراث، وتوعية أفراد المجتمع بتراثهم وحثهم على الحفاظ عليه والترويج له. وتكمن صعوبة الحفاظ على التراث المعنوي في كونه جزءاً من الحياة اليومية لأفراد المجتمع، ومع تطور الحياة وتغيرها والانفتاح على الثقافات الأخرى، تصبح مفردات هذا التراث عرضه للاندثار أو التغير نتيجة لتغير نمط الحياة ودخول التقنيات الحديثة في كل مجالات الحياة حتى في علاقات الناس ببعضهم، وطريقة احتفالاتهم بالمناسبات المختلفة، وعاداتهم اليومية، فاختفت على سبيل المثل، عادات مثل تجمع الأطفال قبل النوم حول جدتهم للاستماع إلى «الخراريف» والحكايات الشعبية المتوارثة عن الأجداد. وأثمرت الجهود الحثيثة لدولة الإمارات العربية المتحدة في مجال حفظ التراث المعنوي، عن إدراج عدد من عناصر التراث الإنساني على قوائم اليونسكو ضمن قائمتها التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي، ومن هذه العناصر: التغرودة والصقارة والمجالس والعيالة والرزفة والقهوة العربية والسدو، التي أصبحت جزءاً من التراث الإنساني العالمي، نتيجة تعاون دولي وخليجي مشترك، لتمثل نموذجاً لدور التراث في بناء الجسور الحضارية والإنسانية بين الشعوب، ودليلاً على أصالة التراث الخليجي ووحدته الجغرافية والتاريخية والإنسانية. ويسهم تسجيل هذه العناصر في تشجيع التنوع الثقافي والحوار الحضاري من خلال إتاحة المجال للتعرف على أصولها التراثية والاجتماعية والإنسانية وما تتمتع به من أصالة وخصوصية. وتحتل دولة الإمارات العربية المتحدة المركز الأول عالمياً في عدد الملفات الدولية المشتركة التي تم تسجيلها في قائمة «اليونسكو»، حيث قامت بتسجيل الصقارة مع أكثر من 18 دولة، ثم السدو والعيالة وفن التغرودة مع سلطنة عمان الشقيقة. كما تقدمت الإمارات مع السعودية وسلطنة عمان وقطر بملفين مشتركين لتسجيل المجالس والقهوة العربية، في حين تعاونت الإمارات وسلطنة عمان في ملف الرزفة. وتحظى هذه العناصر بقيمة تراثية كبيرة في العادات والتقاليد العريقة بمنطقة الخليج العربي. وتم إعداد ملفات اعتماد هذه العناصر بالاعتماد على أسس ومعايير دقيقة قبل تقديمها إلى لجنة الخبراء الدولية المتخصصة في «اليونسكو»، لفحصها وتقييمها وفق شروط علمية متعارف عليها، وتعرض الملفات عقب اجتياز مرحلة التقييم على الاجتماع السنوي للجنة الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي، التي تقوم بالموافقة عليها والإقرار النهائي بتسجيلها. وبشكل عام؛ تلقى جهود تسجيل عناصر التراث دعماً غير محدود من مختلف الجهات المعنية في دولة الإمارات، التي تحظى بمكانة مرموقة لدى منظمة اليونسكو، وهو ما يعزز طموحات الدولة الرامية إلى المضي قدماً في استكمال تسجيل مقومات التراث الإماراتي الأصيل. في السياق نفسه؛ حرصت دولة الإمارات على استضافة وتنظيم العديد من المؤتمرات المخصصة لحفظ وصون التراث غير المادي، ومن بينها استضافة اجتماعات «اليونسكو» التي أقيمت في أبوظبي، وهو ما أتاح للدولة الاطلاع على تجارب الدول المختلفة في صون التراث غير المادي لديها، والاستعانة بخبرات عالمية وعربية، للاستفادة بتجاربهم للحفاظ على التراث، ومنهم خبراء من اليابان، كوريا، فيتنام، مالي، فنزويلا، الصين، وهي تعد من أفضل تجارب الحفاظ على التراث المعنوي على مستوى العالم.