في صوته تتربّى القصيدة.. ويتكاثر الشجن.. وتتقافز الليالي فوق أوتار عودٍ أصوليّ المنشأ حداثيّ الحضور.. أبوبكر سالم بالفقيه هيبة الصوت الشجيّ، وتفرّد شيخ وقورٍ يقرئنا سيرة الكلام وتلويحة الطرب لنا..! هيأته عقل الجنون، وثقة المبدع، وعفويّة المتكلّف، وبشاشة النبلاء. تقلّب في تاريخه فتتصاعد معه على طبقات صوته إلى سماء تسكنها عصافير ملوّنة بألوان الحياة.. من حضرموت انطلق.. كي يستقرّ في الرياض.. وبينهما سهرت بيروت ترعى شمعتها بين جناحيه.. وراقصت القاهرة تموّجات صوته في نيلها.. قرأ الشعر لينشده ثم كتبه ليحياه.. لكنّه حين غنّاه حمل معه الرمل والبحر معاً ليشكلا غيمة من حنين.. هو شيخ الصوت الكبير.. أحد رموز الاختلاف في سيرتنا الغنائية.. حين تفرّد بذاته وعاش كل أزمنته.. أجاد غناء صنعاء الأصيل عبر أغنيات حملته للضوء منذ البدء منها: (قال المعنى لمه)، و(مسكين ياناس)، و(ياليل هل أشكو)، و(وامغرد)، و(بات ساجي الطرف)، و(أحبة ربى صنعاء)، و(رسولي قوم). ثم حين مرّ بشطآن الخليج جاء لنا بـ(مجروح) و(اصيل والله اصيل).. وقبل هذا وبعده عانق قصيدته الفصحى بذراعي أبي القاسم الشابي وبروح جده الشاعر أبوبكر بن شهاب.. كتب ولحّن لكبار فناني العرب منهم على سبيل المثال الفنانة الكبيرة الراحلة وردة الجزائرية فضلاً عن استعادته دائماً عبر الحناجر الأشهر في الجزيرة العربية كصوت الأرض طلال مداح.. أو ناي الخليج عبدالله الرويشد قيل عنه ذات سطور جاءت في صفحات سيرته الثريّة اشتهرت اغانيه بالحكمه والموعظة وحمل هموم المغتربين فنقل تجربته الشخصية وترجمها إلى جمهوره من خلال اغانيه التي تحمل الطابع الأخلاقي والاجتماعي والهموم التي يعاني منها المغترب عن وطنه... أبو بكر سالم بالفقيه غناء الروح، وتلويحة الذاكرة لنا حين تستعيد طفولتها في حدائق الشجن.. إبراهيم الوافي