×
محافظة مكة المكرمة

اقتصادي / وزارة الطاقة : 7571 مصنعًا في المملكة باستثمارات تجاوزت 980 مليار ريال حتى الربع الثالث من العام الحالي

صورة الخبر

«لو لم أكن طبيباً لتمنيت أن أكون سائق توك توك»، تغريدة كتبها طبيب مع رسم وجه يبكي. بكاء لا يخلو من كوميديا، وهرج في إطار بالغ التنظيم، وتخبط مغرق في التسييس، وتضخيم فيه قليل من التهويل، وهروب من واقع مرير إلى خيال أكثر مرارة، وسبغ لهالة من الفخامة على «توك توك» كان حتى أمس قريب وسيلة مواصلات لقطاع من المصريين، ومصدر صداع لقطاع آخر. آخر ما كان يتوقعه «شعب التوك توك» في مصر أن تتحول وسيلة مواصلته غير القانونية إلى حديث القاصي والداني، وعنوان رئيس لـ «سي إن إن» وموضوع بارز لوكالة أنباء «أسوشييتد برس» يتفجر نشراً على صفحات جرائد الأرض وسبباً لتساؤل شعوب في النصف الآخر من العالم عن طبيعة هذه المركبة ذات الدواليب الثلاثة التي قلبت أثير العنكبوت رأساً على عقب في بلد بعيد اسمه مصر. في مصر يشتعل أثير العنكبوت هرجاً ومرجاً، وقيلاً وقالاً، وتبجيلاً وتنديداً، وتركيزاً وتمويهاً، وتكبيراً وحسبنة على «توك توك» وسائقِه خرجا من إطار تقرير تلفزيوني للمذيع عمرو الليثي ينقل نبض الشارع إلى مجال للمطالبة بإسقاط الحكومة أو فرصة للمطالبة بتجريم الانتقاد، ومنصة لتبادل الاتهامات بين من يحب مصر ويبغي الخير لها ومن يكرهها ويخطط للشر ضدها، والتأكيد على أنها رسالة صادقة من قلوب البسطاء والمطحونين أو رسالة موجهة من الجماعات الكارهة والممولة، وفرصة لصب الغضب على الرئيس والنظام والحكومة ومن يدعمونهم أو مدعاة للإمساك بتلابيب الدولة وأعمدتها إلى أن تعبر مصر إلى بر السلام. السلام الاجتماعي واقع في أتون حرب شعواء يتجاذبها طرفان، أحدهما يرى في السائق الذي انفجر ببركان غاضب عن سوء الأوضاع وتردي الأحوال صورة صادقة لما تمر به مصر حالياً وهو ما يعني تغيراً جذرياً في الأمور وتعديلاً حيوياً في الأوضاع. والثاني يرى في ما قاله السائق دسيسة خبيثة وخديعة مفضوحة، لا سيما أن المذيع كان مستشاراً للرئيس السابق محمد مرسي، ومحاولة لبث الفتنة ونشر الاضطراب وزرع بذور جديدة لثورة آتية تدعو إليها كتائب «إخوانية» وتعوم على عومها قوات ثورية. ثورة الغضب التي اجتاحت بعضهم من منطلق أن كلام السائق دق على أوتار اقتصادية صعبة تعكس حال الملايين، أو لأنه بدا كأنه مدسوس ضمن مدبر مخطط مملى عليه ما يقول غطت على ما تعكسه ارتدادات وتوابع تكشف وتعري الكثير على الساحة المصرية الشعبية. القوى الثورية رأت في كلمات السائق عودة إلى رائحة ميدان التحرير وعبقه الثوري الذي جمع فئات الشعب وطبقاته في ملحمة ثورية جميلة تحوي أغنيات نجم وغيفارا، وتتشابك أيادي الثوار المسيحيين ليحموا الثوار المسلمين أثناء الصلاة، ويحتمي الثوريون الفقراء مع الثوريين الأغنياء من الرصاص المطاطي وقنابل الغاز في خيمة واحدة. أما القوى «الإخوانية»، فقد تنفست الصعداء وهللت وطبلت وفرحت فرحة طال انتظارها بكلمات السائق «الفصيح» وهو ما شجع «التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب»، إحدى أذرع الجماعة العنكبوتية، على الدعوة إلى أسبوع «لا لإعدام الغلابة والمظلومين» بعد طول توقف عن الأسابيع الثورية. وانقسم المصريون المنزهون عن الأيديولوجيات السياسية إلى قسمين: الأول يرى أن السائق المستاء من الأوضاع تحدث بطلاقة ناجمة عن شعور حقيقي بالأزمات التي تخوضها مصر. والثاني يرى أن السائق -وإن عكس حديثه جانباً من الحقيقة- لكنه يظل عميلاً خائناً مدسوساً من كارهي مصر والمصريين بغرض التأجيج وإثارة الفوضى واليأس. لكن مدعاة اليأس الحقيقية تكمن في التناول الإعلامي المصري والعربي والدولي لقضية السائق، فبينما أكد بعضهم أن السائق محمد جابر يعمل معلماً للمرحلة الإعدادية، وكان عضواً في حزب «الحرية والعدالة»، ومتزوج وله ولدان، وحموه مدير مدرسية «إخوانية» موضوعة تحت الحراسة، جزم آخرون بأن اسمه مصطفى الليثي، ويقيم في 6 أكتوبر، ومتزوج ولديه ولدان وزوجته مريضة، وأنه يعمل على «توك توك» لمواجهة صعوبات الحياة، وأن «الانقلاب» هو الذي يحاول أن يشوه سمعته ويصمه بالعمالة والخيانة وأنه «إخوان». فريق ثالث أعلن أن اسمه مصطفى أيضاً، وأنه يعمل على «توك توك» لظروف الحياة الصعبة، وأن غاية مناه وأمله أن يتزوج وينجب أطفالاً يوفر لهم حياة كريمة، وأنه ليس «إخواناً». مجموعة رابعة أكدت أن السائق «كومبارس» استعان به المذيع وتم تلقينه ما قاله بهدف الترويج للمذيع الذي انطفأت من حوله أضواء الشهرة. وبالطبع كانت هناك الفئة الإعلامية التي رأت في السائق والمذيع و «التوك توك» والفقرة والبرنامج جزءاً من «المؤامرة الكبرى التي تحاك ضد مصر والمصريين». المصريون وجدوا أنفسهم حائرين، ومحاولاتهم للبحث عن الحقيقة أسفرت مزيداً من الفوضى واللغط. فصفحات تدعي أنها تتحدث باسم الجيش أو الشرطة أو كليهما تناشد المطلعين عليها الإبلاغ عن مكان السائق للقبض عليه. وصفحات رسمية لم تتطرق إلى السائق من قريب أو بعيد. وهاشتاقات متناحرة تتنافس على قمة قائمة الأكثر رواجاً، بين مجموعة تدق على وتر «نتحمل ظروفنا لنساند بلدنا» ومجموعة «أنا خريج توك توك». ومذيعون متلونون وآخرون «أبيض وأسود» أكدوا أن «السائق تحدث بما يجول في داخل كل مصري» أو أشاروا إلى أن «السائق المدسوس مسرحية ركيكة» أو أن «السائق تحدث بعفوية لكن ردود الفعل اتسمت بالمبالغة». وبينما المصريون يصولون ويجولون في أغوار ملحمة السائق وما وراءها، كان جيش «التوك توك» غير الرسمي غير المرخص غير المسموح بسيره في الشوارع الرئيسة يركض يميناً ويساراً بكل ثقة وجرأة وفخر في شارع شبرا الرئيسي تحت مسمع ومرأى من رجال الشرطة. وبسؤال أحدهم عن رأيه في الجدل الدائر في شأن السائق، قال بعدما لوح بعلامة النصر: «في الحقيقة الكلام الذي قاله مهم جداً لكن هذا السائق لا يمثلني. كل منا له آراء ومطالب والرئيس ورئيس الوزراء والوزراء عليهم أن يسمعونا». وانطلق سائراً عكس الاتجاه بأقصى سرعة وعبارة «آخر الشقاوة عيش وحلاوة» تضيء خلفية المركبة.