×
محافظة المنطقة الشرقية

إستراتيجية نظام الملالي.. ميليشيات وفوضى في الدول العربية

صورة الخبر

الصراع بين القديم والحديث كان وسيظل قائماً في مختلف المجالات، ومن بينها أو ربما أبرزها «الفنون»، حيث تتّخذ هذه المعركة شكلاً محدداً وواضحاً. بينما يرى البعض أن الأغنية القديمة مجرد تراث، أو أنماط موسيقية كلاسيكية، ينظر إليها جيل الرواد على أنها الأصل الذي لا نبدع أي جديد من دونه. حتى أن الجديد من الفنون في عُرف هؤلاء غث وهابط ولن يكتب له البقاء. يرى بعض المتابعين أن الأغنية في العالم العربي انحرفت عن مسارها فعلاً، بعدما ركب موجتها مرتزقة الفن، بحسب هؤلاء. فالأغاني تحوّلت إلى صراخ وضجيج مع موسيقى صاخبة وكلمات هابطة لا تحتاج إلى شاعر، بل مجرد ترديد كلمات سوقية. عما حدث للأغاني نسأل: هل أغاني الزمن الجميل كانت وستظل الأفضل؟ أم ثمة في أغاني اليوم قدرة على الصمود واحتلال مكانة خالدة في وجدان المستمعين وذاكرتهم؟ يرى الموسيقار حلمي بكر أن الفن اليوم لا يرى، ولا يسمع، وهو عبارة عن «بلطجة غنائية» في الصوت واللحن والطرب. يتابع: «أين هم نجوم هذا الجيل أمثال عمرو دياب ومحمد حماقي وتامر حسني؟ البارز الآن أصوات لا تسمع مطلقاً، فهي عبارة عن غناء أسود عشوائي بيئي. النجم المحترم لن يغني مثلاً «آه لو لعبت يا زهر»، أو أغاني أوكا وأورتيغا وغيرهما. للأسف، هذا الفن هو المسيطر الآن بأغان عشوائية. حتى بعض الأصوات الشعبية التي كان لها مستقبل، نجدها تقدّم اليوم أغاني لا يمكن إدراجها تحت مسمى الفن أبداً». أما الشاعر الكبير فاروق جويدة فيرى أن أغاني الزمن الجميل ارتبطت بمستوى الفن والأحداث والظروف التاريخية وذائقة الشعوب، من ثم كان الفنانون يقدمون مادة رفيعة، كذلك كانوا على درجة كبيرة من المواهب والقدرات، وكانت أغانيهم تخاطب الوجدان. ويضيف: «كانت الأغنية الوطنية تحظى بالاهتمام في المناسبات الوطنية. أما في هذا الزمن، فتغيّر الذوق العام وصارت كلمات الأغاني، حتى الوطنية منها، هابطة كلمة ولحناً وصوتاً وإحساساً، وعليه لن يذكرها أحد ولن تعلق كلماتها أو لحنها في الذاكرة». لا مجال للمقارنة الناقد طارق الشناوي يقول بدوره إنه لا يمكن الحكم على الزمن الراهن بمقارنته بزمن سابق، لأن الإنسان ابن اللحظة والبيئة التي ولد فيها، موضحاً أن المطرب ما قبل المذياع غير المطرب ما بعد المذياع، وغير مطرب السينما والفيديو كليبات ومواقع التواصل الاجتماعي، متسائلاً: «لماذا نقيس الطرب بمقياس واحد؟ الفن لم يكن يوماً بمرجعية أو أداة قياس واحدة، بل تتغيّر المعايير وتختلف من زمن إلى آخر». ويضيف: «صحيح أن الفن في الماضي كان جميلاً، ولكن الفن الحاضر ليس كله قبيحاً. بمعنى أن علينا الاعتراف بأننا لا نعيش زمن القبح، ولكنها متغيرات الزمن. كذلك فإن الأغاني الرديئة كانت موجودة في تلك العصور مثل «شفتي بتاكلني أنا في عرضك خليها تسلم على خَدك»، وغيرها من أغانٍ رديئة ظهرت في تلك الأزمنة، إلا أننا أصبحنا أسرى الماضي والحنين إليه، من ثم نرى كل ما فيه جميلاً». الشاعر أيمن بهجت قمر يوضح أيضاً أن كل زمن يختلف بالتأكيد عن غيره من أزمان، وثمة مطربون أثروا إيجاباً في الشارع، فيما كان تأثير فنانين آخرين سلبياً على الشباب وطبقات المجتمع. ويلقي باللوم على الإعلام كونه السبب المباشر لذلك، مشيراً إلى أنه في الماضي كان يرعى المواهب على عكس اليوم إذ يمشي وراء الأغنية التي تحقق الصدى ليصنع من صاحبها نجماً حتى لو كانت الأغنية غير مناسبة، ورغم ذلك لدينا فنانون ومطربون على قدر كبير من الموهبة وهم على مستوى مطربي الزمن الجميل. رأي علم الاجتماع دكتورة سامية خضر أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، حلّلت هذه الظاهرة بأن ثمة متغيرات تحكم كل زمن، مشيرة إلى أن السلوكيات اليوم اختلفت تماماً عن الماضي أو تغيّرت مع الوقت، يضاف إلى ذلك انخفاض نسبة التعليم بين الشباب، بالإضافة إلى أن ظروف الحياة دفعت إلى صناعة كثير من الأغاني الشعبية أو ما يسمى «أغاني المهرجانات»، وفضل البعض الابتعاد عن الطرب الأصيل الذي كان له دور في الأزمان كافة. ويضيف: «ثمة اليوم حفلات تنظّم في الأوبرا لعمر خيرت وكوكبة من المطربين اللامعين، لكن عندما نقارن بين جمهورها اليوم والأعداد التي كانت تقصدها في الماضي سنجد الفارق كبيراً، حتى سلوكيات الشباب تختلف نظراً إلى أن الطرب والفن هما عنوانا العصر وترجمة لقيمه».