القاهرة: خالد محمود في ليبيا التي باتت خطرا على دول جوارها الجغرافي، ومعضلة للدول التي ساهمت في إسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، تبقى معضلة السلاح والتوافق السياسي بين فرقاء اجتمعوا على إسقاط نظام حكم البلاد بالحديد والنار لمدة 42 سنة، لكنهم اختلفوا على إعادة بناء وترتيب البيت من الداخل. انتخابات لجنة الستين التي سيعهد إليها بكتابة الدستور الجديد للبلاد، باتت أحد أهم عناوين الأزمات المستمرة والمتلاحقة التي تعكس صعوبة نقل الدولة والمجتمع في ليبيا من مرحلة الثورة إلى مرحلة بناء الدولة من جديد. التوافق هو المعنى الرئيسي المفتقد في المشهد السياسي الليبي، حيث ترفض الأقليات العرقية تمرير دستور يأتي على حساب تاريخها، بينما ينظر البعض إلى هذه المطالب على أنها محاولة لفرض رأي الأقلية على الأغلبية. ثمة حالة من الاستقطاب السياسي والإعلامي في ليبيا تتمحور حول الدستور الجديد للبلاد، الذي عوض أن يكون جامعا لوجهات نظر الجميع، بات مدعاة للخلاف والتناحر، حسبما يرى الكثير من المحللين السياسيين. شهدت الانتخابات ضعفا في إقبال الناخبين حيث لم يتجاوز وفقا للإحصائيات الرسمية 25 في المائة ممن شاركوا في انتخابات المؤتمر الوطني العام (البرلمان) عام 2012، وجرت في أجواء أمنية غير مستقرة خاصة في الجنوب حيث مناطق الأقليات العرقية (التبو والطوارق والأمازيغ)، وتأخرت معها بالضرورة محاولات كتابة دستور جديد مرارا بسبب الصراع السياسي داخل المؤتمر الوطني الذي انتخب لفترة 18 شهرا، في يوليو (تموز) الماضي، في أول انتخابات حرة في ليبيا منذ نحو 50 سنة. ولم يكن سلاح المقاطعة الذي أشهرته الأقليات العرقية في وجه السلطات الحاكمة مفاجئا لأحد، فرغم تمديد فترة تسجيل المرشحين لانتخابات الهيئة التأسيسية للدستور، فإن الأمازيغ والطوارق والتبو ونازحي تاورغاء أعلنوا مبكرا خلال العام الماضي إصرارهم على مقاطعة هذه الانتخابات. وأوضح المجلس الأعلى للأمازيغ أن سبب المقاطعة هو رفض نص التوافق بين المكونات الثقافية واللغوية على أن مشاركة التبو في انتخابات الهيئة التأسيسية مشروطة بقبول المؤتمر الوطني بمشروع التوافق في شأن طلبات الأمازيغ والتبو والطوارق. وطالب أعيان الأمازيغ والطوارق والتبو، في بيان مشترك، بتعديل المادة 30 من الإعلان الدستوري وإقرار مبدأ التوافق فيما يخص المكونات الثقافية واللغوية. وتنص المادة 30 من الإعلان الدستوري الصادر في أغسطس (آب) 2011 على أن تنتخب الهيئة التأسيسية المتكونة من 60 عضوا بالتساوي بين الأقاليم الثلاثة. وخصص هذا القانون ستة مقاعد فقط للمكونات الثقافية التي رفضت بحزم حصتها وعادت للحديث مجددا عن أزمة استمرار تهميشها كما كان الحال عليه خلال حقبة القذافي. ولم تفلح محاولات المؤتمر الوطني في استرضاء المقاطعين، رغم أنه تبنى في نهاية يوليو الماضي قانونا حمل رقم 18 اعترف فيه بالمكونات الثقافية واللغوية، وأقر تدريس لغاتها في المناهج الدراسية في مناطق وجودها. وأعلن المؤتمر الوطني إجراء الانتخابات هذا العام وذلك بعد استياء شعبي واضح من اعتزامه تمديد مدة تفويضه حتى بعد السابع من الشهر الجاري. وسيتعين على لجنة صياغة الدستور التي تضم 60 عضوا الانتهاء من وضع مسودته خلال 120 يوما. وسيقسم أعضاء اللجنة بالتساوي على مناطق ليبيا الثلاث وهي طرابلس في الغرب، وبرقة في الشرق، وفزان في الجنوب. ويشبه هذا النموذج اللجنة التي صاغت مسودة دستور ليبيا قبل القذافي عندما نالت البلاد استقلالها عام 1951. ويتعين على أعضاء لجنة صياغة الدستور أن يأخذوا في الاعتبار الخصومات السياسية والقبلية ودعوات الحكم الذاتي في شرق البلاد عند اتخاذ قرار بشأن نظام الحكم في ليبيا قبل أن يجري طرح مسودة الدستور للاستفتاء. وطبقا للتقرير الذي أصدرته لجنة التشاور لممثلي الكتل بالمؤتمر الوطني يوم الأحد الماضي في أعقاب أربع جلسات إضافية، جرى التوصل إلى اتفاق على الذهاب إلى الانتخابات في أسرع وقت على أن يسلم قانون الانتخابات إلى المفوضية العليا للانتخابات في زمن أقصاه نهاية شهر مارس (آذار) المقبل. وبيَّن التقرير أن تفاصيل هذه الانتخابات وغياب وضوح دور «لجنة فبراير» في إعداد مشروع التعديل الدستوري الذي يتطلبه هذا التغيير في الموقف من خريطة الطريق، سبَّب ارتباكا في توضيح ملامح التوافق المطلوب من أجل الخروج بإجراءات قانونية واضحة وملامح متكاملة للمرحلة التي تلي حقبة المؤتمر الوطني، مما أوصل المشاورات إلى مرحلة يصعب التحرك فيها إلى الأمام حول ما تبقى من ملفات تبنتها هذه المجموعة في بداية سلسلة مشاوراتها. ولفت التقرير إلى انقسام آراء الكتل حول ملامح الجسم البديل الذي يجب انتخابه لاستكمال المرحلة الانتقالية، مشيرا إلى أن أهم الآراء تمحورت حول تعديل دستوري ينص على انتخابات مجلس تأسيسي وفق الملامح الواردة في قانون الانتخابات مع التعديلات التي تشمل أن تجري الانتخابات بناء على النظام الفردي على أن ينص بشكل مفصل على الصلاحيات للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. وبدا أن هناك طرحا آخر يطالب بتعديل دستوري ينص على انتخابات لسلطة تشريعية جديدة وانتخابات رئاسية «غير مباشرة» على أن يجري النص بشكل مفصل على صلاحيات الرئيس وباقي الصلاحيات للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. لكن البعض يعتقد بضرورة إجراء تعديل دستوري ينص على انتخابات لسلطة تشريعية جديدة، وانتخابات رئاسية «مباشرة» على أن يجري النص بشكل مفصل على صلاحيات الرئيس وباقي الصلاحيات للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. وخلص التقرير إلى خيارات، منها أن ينقسم الجسم التشريعي الجديد إلى غرفتين (مجلس نواب ومجلس شيوخ)، وتفاصيل مختلفة أخرى رأى ألا يخوض فيها في هذه المرحلة، وانتخاب مجلس تأسيسي وانتخابات رئاسية غير مباشرة على أن يجري النص بشكل مفصل على صلاحيات الرئيس وباقي صلاحيات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. لكن هذا الخيار وفقا لما يكشفه التقرير لقي قبولا محدودا جدا من الكتل التي تمسكت بنفس الرأي دون أن تتزحزح قيد أنملة عن موقفها، مما أدى إلى جمود في المشاورات حول خريطة الطريق. وجاء في التقرير أن النقاش حول الحكومة تعثر نتيجة انسحاب بعض الكتل من جلسات التشاور بهذا الخصوص، إلا أن باقي الكتل استمرت في المشاورات ومناقشة هذا الملف واقترحت اختيار ثلاثة وزراء من الوزارة الحالية لتسند إليهم مهام رئيس الوزراء ونائبين له، بالإضافة إلى الإبقاء على تشكيلة الحكومة كما هي، أو تشكيل وزارة أزمة مصغرة منها تتولى التركيز على الملفات والاستحقاقات المهمة جدا في المرحلة الحالية. كما اقترحت استدعاء رئيس الوزراء الجديد ونائبيه من قبل ممثلي الكتل وتحديد أولويات المهام العاجلة للحكومة الجديدة وفق ما جرى الاتفاق عليه بين ممثلي الكتل ببرنامج زمني محدد ودقيق تحاسب عليه. ولفت التقرير إلى توافق الكتل على التعديل الدستوري على أن تطرح المسودة التي وقع عليها أكثر من 150 عضوا من المؤتمر الوطني للتصويت في أول جلسة يتحقق فيها النصاب المطلوب للتعديل الدستوري. لم تسفر التفجيرات الخمسة التي هزت مراكز اقتراع في شرق ليبيا ببلدة درنة المضطربة عن سقوط مصابين، لكنها تبرز تدهور الوضع الأمني في البلاد، حيث تواجه حكومة علي زيدان صعوبات في سعيها لفرض سلطتها وكبح جماح الميليشيات التي ساعدت في الإطاحة بالقذافي، لكنها احتفظت بأسلحتها لتلعب دورا سياسيا. وهددت اثنتان من الميليشيات القوية يوم الثلاثاء قبل الماضي بحل المؤتمر الوطني العام الذي تتهمانه مثل كثير من الليبيين بإصابة البلاد بالشلل بسبب صراع داخلي لا ينتهي. وتبقى ليبيا في حاجة ماسَّة إلى حكومة فاعلة ونظام حكم لتتمكن من التركيز على إعادة الإعمار، ومعالجة الانقسامات التي حدثت بعد حرب 2011 التي أطاحت بالقذافي. وفى تلك الانتخابات التي ستجري مرحلتها الثانية لاحقا لاستدراك تعذر فتح بقية مراكز الاقتراع في مناطق الجنوب المتوترة، سجل ما يربو على مليون شخص أسماءهم في لائحة الناخبين، وهو عدد أقل بكثير عن ثلاثة ملايين سجلوا أسماءهم في لوائح الناخبين للتصويت في الانتخابات البرلمانية لعام 2012، وهو ما عد، وفقا للمحللين، مؤشرا على تراجع الثقة في المؤسسات السياسية بين الليبيين الذين شهدوا أربعة عقود من الحكم الفردي في البلاد. وقاطعت الانتخابات الأقلية الأمازيغية التي تعيش في الغرب بالقرب من المنشآت النفطية، حيث رفضها زعيمهم إبراهيم مخلوف؛ لأن الأمازيغ، كما قال، يريدون دورا أكبر في اللجنة وضمانات بأن لغتهم ستصبح من اللغات الرسمية في البلاد. وقال فتحي خليفة رئيس الكونغرس الأمازيغي: «لدينا كل القرائن من بينها النسبة الكبيرة في مقاطعة هذه الانتخابات ليس من الأمازيغ فقط، بل عرفت مقاطعة شعبية، هناك عزوف كبير وشعور بالضيم لدى الأمازيغ». وأشار خليفة إلى أن الأمازيغ سيتقدمون بطعن في عدم دستورية الانتخابات. في المقابل، يعتقد وليد مصطفى اللافي، الناشط السياسي، أن أسباب مقاطعة أصحاب العرق المميز لانتخابات لجنة إعداد مشروع الدستور ترجع إلى ما وصفه بسوء فهم شائع عبر وسائل الإعلام المحلية مفاده أن الدستور سوف يتطرق إلى مسألة الهوية، مع أن الدساتير الحديثة تجاوزت هذا الأمر. وأضاف اللافي لـ«الشرق الأوسط» أن الآلية التي ستعمل بها لجنة إعداد الدستور غير معلومة حتى الآن. وتساءل: «هل ستخرج علينا هذه اللجنة بصياغة واحدة حتى يجبر الليبيون على قبولها خوفا من الدخول في الفوضى أم أنها ستخرج علينا بتقريرين، تقرير الأغلبية وتقرير الأقلية حتى يجري طرحهما على الاستفتاء؟». وتساءل اللافي أيضا: «هل ستلعب الكتلة السكانية دورا في إقرار الدستور؟ هل يعقل أن يكون سكان طرابلس البالغ عددهم مليونين هم من سيحددون مصير بلد مثل ليبيا؟ أم أن الأصوات ستجمع على مستوى حدود الإقليم مثلما حدث في انتخاب هذه اللجنة». وشدد اللافي على القول إن الأقلية على حق، فمن حقها أن تعلم سلفا ما إذا كانت هذه اللجنة ستحقق لها آمالها أم لا، مشيرا إلى أن الشيطان يكمن في التفاصيل، والآلية هي التي ستحدد المخرجات. ورأى اللافي أن هذه الشريحة المميزة من التركيبة السكانية للبلاد هي صاحبة مطالب معروفة وليست جديدة على الليبيين، كما أنها ليست مرفوضة على الإطلاق، بيد أن مطالبهم لا تتحقق من خلال إثبات الهوية في الدستور، وإنما من خلال النظام الإداري للدولة؛ فالفيدرالية هي السبيل الوحيد لحصولهم على مجالس تشريعية محلية تتيح لهم سن التشريعات التي من شأنها المحافظة على خصوصياتهم، لا سيما أنهم موجودون في رُقَع جغرافية محددة. وطبقا لهذا التصور لا يمكن للدستور أن يضمن لهم ذلك من خلال نص مباشر، بل من خلال آلية عمل الدولة، علما بأن الكثير من الشرائح الأخرى تشترك مع الأمازيغ في هذه الرؤية، وهو ما تدل عليه نتائج المشاركة التي بلغت 400 ألف ناخب؛ فهم فقط 25 في المائة من الذين شاركوا في انتخاب المؤتمر الوطني. ويقول الإعلامي الليبي رضا فحيل البوم إن الأمازيغ والتبو قاطعوا انتخابات الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور احتجاجا على عدم تعديل مادة في الإعلان الدستوري تمرر مواد الدستور بالأغلبية بدل التوافق، ونظرا لاعتقادهم أنهم لن يتمكنوا من دسترة لغاتهم الأمازيغية والتباوية. ومن المتوقع وفقا لفحيل البوم أن يطعن في قانون الانتخابات حيث إنه من دون الأمازيغ والتبو والطوارق (أمازيغ الصحراء)، سيكون عدد أعضاء الهيئة التأسيسية، التي من المفترض أن تتكون من 60 عضوا ستصبح اللجنة مكونة من 54 عضوا، إضافة إلى عيوب أخرى في القانون منها اشتراطه مؤهلا يعادل الشهادة الثانوية فقط، والجميع يعلم ماذا تعني شهادة ثانوية في ليبيا في ظل فساد عمَّ وزارة التعليم لأكثر من 20 سنة أصبحت الشهادات فيه تباع وتشترى. ولاحظ فحيل البوم أن الإقبال على انتخابات لجنة الدستور كان ضعيفا، وبالتالي سيكون في أغلب الأحيان دستورا غير متوافق عليه مثلما كان دستور «الإخوان المسلمين» في عهد الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، وهو ما أدى في النهاية إلى إلغائه وكتابة دستور. وخلص فحيل البوم إلى القول إنه «في ظل انتشار السلاح ووجود المجموعات المسلحة التي تتبع كيانات قبلية وجهوية وآيديولوجية فإنه لن يكون هناك استقرار سياسي أو أمني أو اقتصادي، وستظل الكلمة الأخيرة لحاملي السلاح». ويرى الإعلامي الليبي ماهر العوامي من مدينة بنغازي أن للأمازيغ والتبو والطوارق حقوقا أصيلة في ليبيا؛ فهم سكان تلك المنطقة من شمال أفريقيا، حيث يعد الطوارق أمازيغ الوجه القبلي وأغلبهم يقطن جنوب غربي البلاد، فيما يعد جبل نفوسة أكبر تجمع للأمازيغ، وتوجد أشهر تلك التجمعات في مدينتي يفرن وجادو إلا أن التجمع الأكبر لأمازيغ ليبيا يقع في الساحل غرب العاصمة طرابلس بمدينة زوارة التي يعدها أغلب أمازيغ ليبيا الأم الحاضنة، حتى إن الأمازيغ عندما يرغبون في القول إنهم ذاهبون إلى زوارة فإنهم يكتفون بالقول إنهم ذاهبون إلى «الوطن» بالعامية الليبية، وكلمة «وطن» تعني «الأرض الأم»، فيقال مثلا إن وطن الأمازيغ زوارة وجبل نفوسة، ووطن الطوارق في غات والقطرون، وغير ذلك. ويرى العوامي أن الأمازيغ والطوارق مرت عليهم عقود من التغييب، مشيرا إلى أنه في عهد القذافي مارس النظام عملية كبيرة وممنهجة لطمس الهوية الأمازيغية، ومن وطنهم أو عاصمة الأمازيغ أعلن القذافي ما سماه «الثورة الثقافية»، وتحديدا من مدينة زوارة، التي أطلق عليها لقب «النقاط الخمس» التي تضمنها بيان العقيد عام 1973. ويقول العوامي إنه «ربما استمر شعور الأمازيغ بهاجس محاولات طمس هويتهم الثقافية حتى الآن، وذلك لخوفهم من أن يبرز أي توجه قومي وناصري في دولة ليبيا ينال من مسعاهم في إبراز هويتهم ولغتهم كما فعل القذافي». لكن بعد قيام ثورة فبراير (شباط) 2011، حيث شارك الأمازيغ منذ اليوم الأول في الثورة على سلطان العقيد، وساهموا مساهمة فاعلة في إسقاطه، رأوا لاحقا أن الوقت حان بعد انتصار الثورة لكي يضمنوا لهويتهم مكانة تليق بها من بين المكونات الليبية. ولاحظ العوامي أن بداية المشهد كانت في إقامة المهرجانات والمعارض والفعاليات الثقافية والاجتماعية والفنية الأمازيغية، حيث أقاموا أكثر من مهرجان للأغنية الأمازيغية، وأيضا احتفلوا برأس السنة الأمازيغية، وبعدها علت أصواتهم مطالبين الهيئة التشريعية في ليبيا بضمان لغتهم وحقوقهم في أي دستور يجري وضعه للبلاد. وأضاف: «لا أحد يعلم لماذا لم يقر المؤتمر الوطني العام هذا المطلب، واستمر في تجاهله». وحدث أن اقتحم الأمازيغ مقر المؤتمر في إحدى المظاهرات وأوقفوا سير جلسة من جلساته، وزاد الأمر حدة عندما أقر المؤتمر الوطني لائحة وقوانين الانتخاب للجنة الستين، وهي اللجنة التي سيعهد إليها صياغة الدستور الليبي، ورفضه الأمازيغ بحجة انعدام عدالة توزيع المقاعد وعددها على الأقليات والمكونات العرقية، فعقدوا تحالفا مع الأقليات الأخرى، وهي التبو والطوارق للضغط على المؤتمر. ورغم كل المساعي فإن المؤتمر لم يستجب لمطلبهم، فجرت الانتخابات ولكن بمقاطعة الأقليات. ويرى الأمازيغ وبجانبهم التبو والطوارق أن عدد المقاعد في لجنة صياغة الدستور لن يضمن لهم إقرار حقوقهم لضعف التمثيل (ستة مقاعد مقابل 54 مقعدا) كما أنهم يعترضون أيضا من باب العدد في أن هناك أمازيغ موجودين في شتى أنحاء ليبيا. وتساءل العوامي: «هل يحق للمرشح أن يتقدم لشغل مقاعد الأقليات أم يشارك كمرشح عن دائرته التي يقيم فيها؟». وقال إن الأقلية ترى في ذلك إجحافا بحق الأكفاء منهم؛ فالمقاعد المخصصة لهم تقع في نطاق وجودهم، سواء في زوارة وجبل نفوسة وغيرهما، ولا يمكن للأمازيغي بدائرة طرابلس الترشح لشغل مقعد بتلك الدوائر. ويعود أصل المشكلة، كما يقول العوامي، إلى أن الأمازيغ يريدون شيئا واضحا هو ضمان أن تكون اللغة الأمازيغية بالذات منصوصا عليها في الدستور بجانب العربية؛ فهم يرون أن اللغة هي مدخل هويتهم، ودسترتها معناه دسترة حقوقهم، بيد أن الجدل يظل قائما في أروقة المؤتمر، وهناك عدة مقترحات لإيجاد حل لعقدة الأقلية منها رفع عدد مقاعد اللجنة. وأضاف العوامي: «أنا شخصيا أتعاطف معهم، وأقف إلى جانبهم في المطالبة بحقوقهم، وأتمنى أن يصل الجميع إلى صيغة توافقية ترضي كل الأطراف، ويضمن من خلالها التبو والطوارق والأمازيغ حقوقهم التي هي من حقوقنا كليبيين». وفي سياق التعبير عن هذه المخاوف، تساءل محمود جبريل، رئيس تحالف القوى الوطنية: «كيف يمكن إعداد دستور غاب عنه الأمازيغ؟»، مؤكدا أنه لم يحدث أن كتب دستور على أسنة الرماح، في إشارة منه إلى الأوضاع الأمنية التي جرت فيها هذه الانتخابات. وقال جبريل، في مقابلة تلفزيونية بثت أخيرا، إن الذين يملكون السلاح هم الذين يملكون القرار، مضيفا: «كنت أتمنى أن تكون هناك مصالحة وجيش وشرطة قبل هذه الانتخابات». وانتقد جبريل قانون العزل السياسي الذي أقره البرلمان وشمله، وقال إن ثمانية آلاف شخص يشملهم فقط؛ لأنهم عملوا مع النظام السابق، مضيفا: «نحن نرى أن يطبق العزل على السلوك وعلى المفسدين فقط، وليس على كل من عمل مع الحكومة». وفى هكذا حال ينسى الكثيرون أن ليبيا ما زالت تحت مظلة الأمم المتحدة منذ سقوط النظام السابق، فيما الحديث يجري خلف الكواليس عن استدعاء القادم المجهول من الخارج لإعادة ترتيب بيت يتنافس الليبيون حتى الآن، وبعد مرور نحو ثلاث سنوات على مقتل القذافي وسقوط نظام حكمه بالسلاح، على كيفية إعادة بنائه من جديد. ولعل أكثر من يدرك هذه المفارقة هو نوري أبو سهمين رئيس المؤتمر الوطني الذي ينتمي إلى أقلية الأمازيغ، ويشغل فعليا منصب الرجل الأول في الدولة الليبية، والقائد الأعلى لقواتها المسلحة؛ فمقاطعة عشيرته للانتخابات يمثل إحراجا سياسيا كبيرا للرجل الذي قال عقب انتخابه لـ«الشرق الأوسط»: «أعتز بقول إنني مسلم، إنني ليبي، إنني أمازيغي، إنني عربي. ليبيا يجمعها الإسلام والوطن، وتجمعها الأصالة الأمازيغية والعربية».