باريس: «الشرق الأوسط» لصوص لا يردعهم وازع من ضمير أم جنود في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة؟ هذا هو السؤال المطروح للنقاش في الأوساط الثقافية، بعد إعلان متحف جورج بومبيدو للفن الحديث، بفرعه الواقع في مدينة «ميتز» شرق فرنسا، عن إقامة معرض لمصوري الصحف الشعبية أو «البابارازي». ومن المنتظر أن يكون المعرض الذي يفتح أبوابه اليوم، ويستمر حتى التاسع من يونيو (حزيران) المقبل، مناسبة لدراسة ظاهرة مصوري المطاردات الذين يتنقلون على دراجات نارية ويكمنون بالساعات أمام بوابات الفنادق ويستخدمون العدسات المقربة وقد يستأجرون طائرات عمودية وزوارق سريعة للوصول إلى أهدافهم. المشرفون على المعرض يحاولون أن يضفوا عليه بعدا ثقافيا يتجاوز فكرة التلصص على الحياة الخاصة لنجوم الفن والسياسة والرياضة والأزياء، وذلك من خلال دراسة الأوجه المتعددة للمهنة ومحاولة التركيز على الأبعاد الجمالية في الصور المختلسة. فهل يمكن للقطة تشي بالفضيحة، أن تكون عملا فوتوغرافيا فنيا يضاهي إنجازات كبار المصورين؟ قبل موعد الافتتاح، سارعت مازارين بنجو، ابنة الرئيس الأسبق فرنسوا ميتران، إلى الاعتراض على اختيار نحو من 15 لقطة، في المعرض المرتقب، للمصور الفرنسي سيباستيان فالييلا، أحد أشهر «بابارازي» باريس. وفالييلا هو صاحب الصور الشهيرة التي نشرت على غلاف مجلة «باري ماتش»، عام 1994، وكشفت وجود ابنة غير شرعية للرئيس. فقد لبد المصور أمام مدخل مطعم باريسي وانتظر خروج ميتران مع مازارين التي كانت، يومذاك، دون الـ20 من العمر، واختلس، من بعيد، صورا بالعدسة المقربة يبدو فيها الرئيس واضعا يده بحنو أبوي على كتف الشابة المرافقة له. ولم تكن الصور تحتاج تعليقا لأن الشبه في ملامح الوجه بين الأب والابنة كان ناطقا. ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه مع الرؤساء الاشتراكيين. فبعد 20 عاما، فاز المصور سيباستيان فالييلا باللقطات التي يظهر فيها الرئيس الحالي فرنسوا هولاند متوجها في الليل على دراجة نارية إلى المبنى الذي تقيم فيه الممثلة جولي غاييه، ثم خروجه في الصباح التالي من المبنى نفسه، قبل أن تخرج غاييه بعده بفترة. إنها الصور التي ظهرت على غلاف مجلة «كلوزر»، مطلع العام الحالي، وكانت سببا في خراب علاقته مع شريكة حياته. في مقابلة مع إذاعة «آر تي إل»، وصفت مازارين نشر الصور بأنه عمل «خسيس» و«انتهاك لا يحتمل» للحياة الخاصة. وأضافت: «لا أفهم لماذا يجب أن نعرف كل شيء عن الحياة الخاصة لهولاند تحت ذريعة أنه رئيس للبلاد. إن حياته لا تخص أحدا غيره وهي لا تتجاوز على أي كان ولا بد وأن يترك في سلام». كما انتقدت ابنة ميتران التي تعمل ناقدة في برنامج تلفزيوني ثقافي، انقلاب القيم في المجتمع واستنكرت «التواطؤ» مع عمل البابارازي فالييلا، واصفة المصور بأنه يفتخر بإيقاع الشر بالآخرين ويتباهى بالمكوث ساعات، مثل جرذ، للحصول على الصور. يذكر أن المعرض يسترجع تاريخ 100 عام من اللقطات المختلسة التي نفذها مصورون يعملون لحساب كبريات الصحف في العالم، مع عرض 600 صورة من أكثر الصور شهرة وإثارة، بالإضافة إلى رسوم وأفلام فيديو عن «البابارازي»، اللفظة الإيطالية التي صارت مصطلحا لوصف العاملين في هذا الحقل ومفردها «بابارازو». ويدافع القائمون عن المعرض عن اختياراتهم بالقول إن تعطش القراء، والجماهير عموما، لمشاهدة تلك الصور، هو ظاهرة اجتماعية وفنية تستحق التوقف عندها، وهي تكتسب دلالاتها من أرقام التوزيع الكبيرة للصحف الشعبية. وقد بات من اتساع الظاهرة أن الصحف الرصينة بدأت تنجر وراءها، أيضا. وحسب وثائق المعرض فإن الصحف بدأت، منذ عام 1910، بتخصيص زوايا لنشر أخبار النجوم وصورهم الخاصة في الحفلات والسهرات وخارج مواقع التصوير. جاء في دليل المعرض أن هناك علاقة معقدة تربط بين النجم و«صياد صورته». فالملاحقة المستمرة لمصور معين لأحد الفنانين أو الفنانات، تخلق بينهما نوعا من العلاقة المركبة نظرا لأن الفنان، حتى وهو يتضايق من «البابارازو»، فإنه يحتاج إليه لتلميع صورته ونشر أخباره. من أبرز المصورين الذين طبعوا المهنة ببصمتهم، الأميركي رون غاليلا، أكبر محترفي تصوير المشاهير في نيويورك. وقد وصفته «نيوز ويك» بأنه «البابارازو الذي لا مثيل له». وقد عرف عنه شغفه بمطاردة جاكي كيندي، قرينة الرئيس الأميركي الأسبق، التي تمكنت من الحصول على حكم قضائي يفرض على المصور ألا يقترب منها بأقل من 25 قدما، أي 7.5 أمتار. وهناك في المعرض صورة لغاليلا وهو يسير وراء جاكي في الشارع لكنها لا تأبه به، وأخرى وهو يطارد الممثل مارلون براندو. وكان غالبا ما يستخدم خوذة من النوع الذي يرتديه لاعبو كرة القدم الأميركية لوقاية رأسه من لكمة محتملة من براندو.