أتحدث هنا تركيزاً عن الصفوف الأولية من المرحلة الابتدائية حيث الأجساد الصغيرة لا تتحمل الحقيبة المدرسية المثقلة بالكتب الضخمة والدفاتر وربما طلبات المعلمين والمعلمات، وعندي أن حجم الكتب ليس أصل المشكلة، ولا يمكن أن ينطلق الحل منه، ولا شك أن حل أي مشكلة ينبغي أن يكون من خلال البحث عن أساسها وجذرها. إن كبر حجم الكتاب وثقله يعني جودة في التصميم والطباعة فزيادة الصفحات عادة ناجم عن كثرة الصور وهو ما يلزم الكتاب المدرسي ليكون غنياً ويسير التناول فكرياً وكذلك الطباعة الجيدة تكون على ورق صقيل أو ذي سمك كبير مما يحفظه من التلف كما يضفي عليه طابعاً جمالياً يشجع على الإقبال عليه. فأين المشكلة إذن؟ دعونا نفهم لماذا يذهب الكتاب إلى المدرسة ولا يبقى في المنزل؟! الجواب ببساطة لأن المعلم يحتاج أن يستخدم هذاالكتاب ففيه الأسئلة التي يريد أن يحلها الطلاب بعد شرح الدرس ثم يصحح على الكتاب. والسؤال البريء لماذا لا يعطي المعلم طلابه هذه الأسئلة بنمط آخر (والأفكار كثيرة) دون أن يستخدم الكتاب؟ الجواب له عدة أوجه: فالمعلم لن يرهق نفسه بكتابة هذه الأسئلة في أوراق عمل مثلا بينما هي بالكتاب كما أنه لن يثبت للمشرف التربوي أو مدير المدرسة أنه قام بعمله بدون هذه الوثيقة المهمة فحلول الطلاب على الكتاب وتصحيح المعلم أولا بأول تعتبر في أعراف المهنة دليل على قيامه بعمله. أما هل حل الطلاب بعد تفكير وتأمل أم هو أملى عليهم الحل فهذا ليس محل نظر. أيضا، يحتاج المعلم أثناء الشرح أن يشير إلى صورة من صور الكتاب توضح المفهوم. وهي عملية مريحة ومباشرة جداً ولا تقارن بالجهد الذي سيبذله لو أراد أن يتفلسف ويستخدم صورة للكتاب عبر البروجكتور أو إذا لم يتوفر البروجكتور فقد يصور تلك الصورة من الكتاب صورة مكبرة بما فيه الكفاية ليعرضها على الطلاب كلوحة إيضاحية (تماما كما كان يفعل الجيل السابق من معلمي زمن الطيبين) ولا شك أنه سيعمل هذه الصور المكبرة مرة واحدة ثم يستخدمها عبر الزمن لكل حصصه القادمة عبر سنوات خدمته. المعلمون ومديرو المدارس ومعهم بعض المشرفين لم يختاروا هذا الطريق المضني وفضلوا أن يتكبد الطالب المشاق نيابة عنهم فيحضر الكتب معه إلى المدرسة. إنني أدعو المعلمين والمعلمات إلى أن يتقوا الله في أبنائنا وبناتنا الأطفال ويطلبوا منهم ترك الكتاب في المنزل فهناك مكانه ليرجع إليه الطالب ويستذكر أو يتذاكر به الدروس مع والديه أو إخوته الأكبر سناً وعليهم أن يتفضلوا بعمل ما يلزم ويبدعوا ويبتكروا لتعويض عدم توفر الكتاب مع الطفل بالمدرسة. صحيح أن هذا مفهوم ثوري لما تعود عليه المحيط التربوي لكنه بات ضرورياً اليوم. أدعو أيضاً مدير المدرسة وقائدها والمشرف التربوي إلى أن يقوموا بدورهم النوعي في استشفاف قدرة المعلم أو المعلمة على العطاء من خلال المؤشرات الأخرى خلاف التصحيح والتعليق على الكتاب فهناك الحضور للمعلم ومراجعة أعماله ووثائقه الأخرى وأخيراً مساءلة الطلبة أثناء الزيارة الإشرافية فهي المؤشر الصادق الذي يستطيع به المشرف المتمكن من سبر أغوار عطاء المعلم النوعي بحق. أما الوزارة فأطلب منها أن تتكرم بطباعة الكتب ذات الحجم الكبير (خاصة في المراحل العليا المتوسطة والثانوية) على أجزاء متعددة خفيفة الوزن جداً فيأخذ الطالب معه جزءاً يحتوي دروس أسبوعين أو ثلاثة فقط. بعض الطلاب يمارس ذلك فعلاً فيقسم الكتاب الضخم إلى هذه الأجزاء فيأخذ معه يومياً ما يحتاج فقط، فاقتدوا بهم أيتها الوزارة العزيزة.