وصف الشاعر والكاتب المغربي إدريس علوش التواصل الإبداعي بين الأدب العربي بين مشرقه ومغربه، بأنه شهد العديد من الحقب المتباينة، التي يشبه العديد من حقبها الهوة السحيقة التي لا يمكن عبورها، وخاصة فيما يتصل بتلاقح التجارب الإبداعية بين المدرستين الأدبيتين المشرقية والمغربية. وعن شيوع الإنترنت وثورة الرقمنة، التي تجاوزت كل المعوقات التي يأتي في مقدمتها المكان والزمان قال علوش: لقد احدثت ثور التقنية نقلة كبيرة لم تكن بالحسبان، إذ فتحت أمام مختلف التجارب الإبداعية العالمية فضاء لا محدودا من التواصل الثقافي عامة، والإبداعي بصفة خاصة، الذي جعل من تلاقي التجارب أولى المتاح في هذا الفضاء الذي كان مغيبا نتيجة للكثير من المسببات المختلفة بقصد أو بدون قصد. ويضيف علوش، في سياق حديثه عن واقع الفجوة المعاصرة بين التجربتين، عطفا على ما شهده مشرق العالم العربي مع مغربه من تواصل ثقافي وإبداعي، خلال عدة قرون، بأنه لم يكن هناك قطيعة بما يحمله هذا المفهوم من دلالة، إلا أن التواصل الثقافي لم يكن كما قد نتصوره، إذ كانت هناك هوة واضحة في تلاقح التجارب الإبداعية وواقع تأثيرها وتأثرها في هذا الإطار الأدبي، مردفا قوله: المتتبع لعدة حقب زمانية لا يكاد يجد إلا جهودا فردية، على مستوى أدباء أو مفكرين، إلى جانب ما نجده – أيضا – من بعض الجهود المتواضعة في خدمة الإبداع المشرقي والمغربي، من قبل بعض المنظمات أو الجمعيات المحدودة في عددها وفي نشاطها. وعن جهود المؤسسة الثقافية مشرقية كانت أو مغربية في خدمة التجربتين الإبداعيتين قال علوش: كان هناك جهود تقدمها المؤسسات التي تعنى بالثقافة وتتعاطى مع حقولها الإبداعية، لكنها لم تكن كافية، بشكل يتضح معه ويبرز دور مؤسسة معنية ما، بحيث يجد المتتبع لنشاطها الثقافي ما يبرهن على دورها الذي يترجم على خارطة الواقع الثقافي والأدبي ذلك الجهد من إنتاج ومن محاورة فكر ومن سياق ثقافي وإبداعي على أرض الواقع. وللمراهنة على الدور الإيجابي الذي ستلعبه الرقمنة في خدمة الثقافة العربية عامة، والإبداع تحديدا بين التجربتين المشرقية والمغربية، ومدى تفاؤل علوش بقدرة التقنية على "تجسير" ما وصفه بالهوة بين التجربتين قال: ما يحدث الآن على أرض الواقع الثقافي، وعلى أرض هذه الممارسة، وعبر فضاء هذا التواصل الرقمي القائم وما تشكله ثورتها المستحدثة في نقل صنوف التجارب الأدبية والإبداعية المختلفة بشتى فنونها، لا يمكن أن يكون لنا إيجابيا، إلا إذا كان من موقع "المنتج" و "الفاعل"و " المبدع" وليس كما يحدث – بكل اسف – من موقع " المستهلك" على اعتبار أن علاقتنا بهذه التقنية، التي إن ظلت تؤخذ من موقع الاستهلاك دائما، فغالبا ما تكون ذات نتائج سلبية. وقال علوش في سياق حديثه عن التقنية وخدمة الثقافة بين قطبي السلب والإيجاب: مع وجود هيمنة الاستهلاك الشائع في استخداماتنا لهذه التقنية، إلا أنها مع ذلك تجعلنا – أيضا – في تقاطع مستمر ومتواصل مع العالم قاطبة، ومع أسئلته وإنتاجه المتدفق في مجالات الثقافة وفنونها، إلا أنني أرى أنه إن استطعنا في مقبل الأيام أن نتحول من مستهلكين لهذه التقنية، إلى الحد الأدنى من الممارسة الإنتاجية، متمنيا – أيضا – ألا تكن مرحلة انتقالنا بحاجة إلى مزيد الزمن اكثر مما مضى. وفي إطار التجارب الأدبية في مختلف الفنون الإبداعية، ومدى قدرة المثقف العربي على الحضور عبر الفضاء الافتراضي الرقمي بشكل فاعل مؤثر متأثر إيجابا بما حوله من تجارب عالمية كانت أو عربية قال علوش: لا يمكن أن يكون لنا دور فاعل، ولن يتسنى لنا الحضور الذي نريده إلا إن انتقلنا من الدور الاستهلاكي، إلى استثمار ثورة التقنية في خدمة نتاجنا، وأن يكون لنا من هذا الفضاء مساحة فاعلة لها نتاجها وتأثيرها وامتدادها عبر تراكم تجاربنا الثقافية والأبية. أما عن تأثير "القارئ المستهلك" وتأثيره السلبي على الكاتب الاستهلاكي – أيضا – في ظل درجات من تتابع الاستهلاك عبر فضاءات الإنترنت بمختلف قوالبها الإلكترونية ووسائطها المختلفة يقول علوش: فيما يتعلق بالإبداع "النصي" أو الإبداع المكتوب ثقافيا، ما في ذلك الإبداع المكتوب عمرانيا وغيره من حيوات الناس، فأتصور أننا كعرب لا نحتاج لأي شخص كان من قارات الأرض، على اعتبار أننا نحن العرب والمسلمين لدينا إسهاماتنا الحضارية الحقيقية عبر التاريخ، رغم تراجعنا من حقبة إلى أخرى، إلا أن حركة الجزر هذه تظل حركة نطقية في التاريخ البشري. وعن "الحلم" في استعادة الدور العربي الفاعل ثقافيا ومعرفيا قال علوش: إذا استطعنا استعادة جوانب ن أمجادنا عبر الإنتاج الجاد، والمثابرة المعرفية، والحضور الفاعل، فعلينا التسلح بالعلم والمعرفة والثقافة، والتعامل مع متغيرات العصر بقدرة منطلقها حسن استثمار ممكنات شؤونه في مختلف المجالات، سنكون قادرين أن نثبت للآخر أيا كان، وجودنا المعاصر، وأن نبرهن له بما نقدمه من شواهد إنتاجية ثقافية خلاقة، تترجم على خارطة الواقع الثقافي اليوم ما نمتلكه من إرث ثقافي حضاري يؤهلنا لأدوار جديدة منافسة في مختلف مجالات الإبداع والإنتاج والعطاء.