للتاريخ مواقف ولحظات لا تنسى، تكاد تلخص الوجود الإنساني ذاته، انعطافات الأحداث البشرية على كوكب الأرض تشكل ومضات تاريخية لحقب تاريخية تتشبث بالذاكرة، أحداث عديدة خلال التاريخ البشري رصدت بعضها كتب التاريخ وضاع معظم ما تم قبل تدوين التاريخ وسقط من الذاكرة ما لم يدون. ساعدت الصورة، وربما قبل اختراع الكاميرا، في توثيق الكثير من تلك اللحظات والمواقف التي لا تنسى. أول ذكر للعرب في كتب التاريخ كان عبارة عن نقش للملك الآشوري شلم نصر الثالث يرصد فيه قضاءه على أعدائه، ومن بينهم الملك العربي جنديبو حوالى العام 850 قبل الميلاد، بالطبع للعرب تاريخ أقدم في دنيا الحضارة لكن الحديث عن التاريخ المكتوب. أنقلكم من هذه الصورة، عبر آلاف السنين، إلى صورة أحدث نسبيا، صورة المرحوم ياسر عرفات وهو يمد يده في حديقة البيت الأبيض بواشنطن مصافحا رابين الذي تردد في مد يده، بقيت يد عرفات ممدودة للحظات كانت كافية لرصد يد ممدودة في الهواء ولا يد أخرى تصافحها، وبرغم مرور كل هذه السنين مازالت تمثـل تلك الصورة لحظة تاريخية فارقة في تاريخ القضية الفلسطينية، بل في تاريخ العرب المعاصر، وهل للعرب قضية سوى فلسطين التي توحد رؤاهم، تركوها لقضايا هامشية تفرق تجمعهم. بالطبع يمكن رصد آلاف الصور الأخرى للحظات مفصلية في التاريخ العربي المعاصر، توحيد المملكة وحدة مصر وسوريا وقبلهما صور تهجير الفلسطينيين المتكررة، صور النكبة والنكسة والوكسة، صور عبور قناة السويس، لحظة توقيع اتفاقيات الكامب واوسلو، صور اجتياح لبنان سقوط بغداد والبقية تترى، أقصد الصور الجديدة للحظات تاريخية قادمة تروم عامدة تحويل الربيع العربي الحالي إلى تاريخ من الأشلاء.. التاريخ، مدونا أم منقوشا أم مصورا، لم يوثق ليقرأ بل للاعتبار والعظة منه، صحيح إن معظمه كتبه المنتصر، لكن تقليب صفحاته تخبر أيضا كيف عاد المهزوم وانتصر، الهزيمة والانتصار على صفحاته لحظات عابرة، صور فلاشية كما نقول اليوم، لكن العبرة كانت دوما لليوم التالي للهزيمة أو النصر، أي طرف استكان أو بدأ بتغيير الواقع وأي طرف استنام أو بدأ بتدعيمه، لذا سميت صفحات التاريخ وقائع، وصانع التاريخ من يصنع الواقع أو يغيره أو يثبته بحثا عن مصلحة قومه.