×
محافظة المنطقة الشرقية

تعادل محبط للجزائر أمام الكاميرون في تصفيات كأس العالم

صورة الخبر

الشارقة: محمد أبو عرب يكاد الأدب والشعر أن يكونا تاريخياً يقوم على مفهوم الحب، وتجليات حضور المرأة في الكتابة الإبداعية، فمنذ اللحظة التي ابتكر فيها الإنسان سؤال المعرفة، راح يضع تساؤلات حول المرأة، بوصفها واحدة من أسرار الوجود العصية على الفهم، حيث صارت اللحظة التي أكل فيها آدم تفاحة حواء بداية لسيرة المرأة في مدونة الأدب الإنساني وسيرة أعلامه. يكشف ذلك تاريخ الأدب الإنساني بصورة عامة، فالمرأة تكاد تكون قرينة الكتابة بكل تجلياتها، إذ حتى حين تكون الحرب مشتعلة، تكون المرأة حاضرة، ولها من الرمزية ما يكفي، لتكثيف معنى الحياة، وسيرة الوجود بكل محموله الجمالي، والمعرفي، والأسطوري، والتاريخي. لذلك ليس غريباً أن يفتح الحديث عن المرأة في سيرة كبير الأدب الإنجليزي وليم شكسبير، باباً كاملاً على حياته وأعماله، والأسئلة التي شغلته، فهي سر يلازم حياته منذ لحظة الولادة حتى زوجته الأولى وابنته، وانتهاء بشخصيات أعماله الخالدة، جوليت، وكيلوبترا، وأوفيليا، وغيرهن من النساء. تروي سيرة شكسبير مسارات عديدة لقراءة حضور المرأة في حياته، إذ لم تكن المرأة في سيرته الواقعية ممثلة بزوجته وابنته، وحسب، وإنما ظل حضورها مركزياً في أعماله الشعرية، والمسرحية، فكانت أشبه بأسئلة مكثفة يطرح فيها سؤال الوجود الإنساني، ويبحث عميقاً في النفس البشرية، كما لو أنه في كل شخصية مسرحية يبتكرها يفتح الباب على مزيد من الأسئلة حول المرأة وحقيقتها. تظهر مفارقات شكسبير مع المرأة منذ حكاية زواجه الأول، إذ أرغمته تقاليد بلدته أن يتزوج من امرأة مجهولة، لم يثبت أبداً أنه كان يحبها، حيث ارتكب شكسبير وهو في ال18 من عمره غلطة جعلته يعقد قرانه على هذه المرأة التي كانت تكبره بثماني سنوات وهي السيدة آن هاثاوي، فبعد أن حملت بابنته سوسانا لم يعد أمام شكسبير من خيار سوى تحمل تكاليف غلطته، وتزوج المرأة التي كان يمكن أن تكون عابرة في حياته. أنجبت آن هاثاوي ابنة شكسبير الأولى بعد ستة شهور من زواجهما، لتضع علامتها في سيرة شكسبير، وترسم حكاية صعبة لزواجه، لم يكن فيها أهله يرضون عنها، ولم يكن هو مقبلاً عليها، وإنما أرغم على ذلك. تحمل شكسبير تكاليف غلطته، وحاول أن ينظر إلى الجانب الإيجابي من زواجه، ورضيَّ به كامل الرضى، ولم يفكر طوال حياته أن يرتبط بامرأة أخرى، ولم يسع إلى الطلاق من زوجته، ولم يذكر أي مؤرخ اسم امرأة ثانية كان لها في حياته أي دور ظاهر أو خفي، إلا أن النقاد توقفوا عند ملامح امرأة سمراء ظهرت في قصائد عدة لشكسبير، فشكلت منفذاً للبحث عن حضور امرأة جديدة في حياته. لم يترك شكسبير أي أثر يدل على حكاية السيدة السمراء في حياته، وظل حضورها رمزياً في سنواته الشهيرة، حتى باتت واحدة من الألغاز التي تدور حولها التكهنات، والحكايات، حيث ظل في قصائده يعبر عن حب عميق لتلك المرأة، إلا أنه لا يشير إلى لقاءات واقعية بينه وبينها. واحدة من التكهنات الكثيرة حول شخصية السيدة السمراء في حياة شكسبير يذكرها الناقد والصحفي المصري رجاء النقاش في كتابه نساء شكسبير، إذ يقول: إن المرأة السمراء التي يتحدث شكسبير عن حبه لها في قصائده، هي السيدة فيتون، وهي سيدة كانت على علاقة بأحد كبار النبلاء في عصر شكسبير واسمه بمبروك ولم تكن هذه المرأة متزوجة من النبيل الإنجليزي، بل كانت عشيقة له. تتكاثر الدلائل حول هذه الشخصية، بالعودة إلى العلاقة التي كانت تربط شكسبير بالنبيل بمبروك، حيث كان هذا الثري يرعى شكسبير، ويقدم له العون والمساندة، فيرجح احتمال أن يكون شكسبير قد رأى تلك السيدة وأعجب بها، فالكثير مما وصفه للمرأة السمراء يتطابق مع فيتون، إذ ظل يقول: إنها امرأة ذكية وحلوة الحديث وشخصيتها متفردة بين نساء عصرها. فتحت الحياة الواقعية لشكسبير مع النساء، باباً واسعاً لحضور المرأة في أعماله المسرحية والشعرية، فكما يكشف رجاء النقاش: أول امرأة ظهرت في أدب شكسبير كله هي امرأة أسطورية، وليست امرأة واقعية، أي أن هذه المرأة مستمدة من الأساطير الأوربية القديمة، وهي المرأة فينوس ملكة جمال الإنسانية كما صورتها الأساطير الرومانية، وحديث شكسبير عن فينوس لم يظهر في عمل من أعماله المسرحية ولكنه ظهر في قصيدة قصصية طويلة كتبها في بداية حياته الأدبية نشرت عام 1593 أي وهو في التاسعة والعشرين من عمره. تثير فينوس في عمل شكسبير تساؤلات عديدة، فما الذي كان يقصده بتصوير هذه المرأة، وما المعاني التي وقف أمامها وعبر عنها في لقائه ب فينوس، ومن أين استلهم شكسبير هذه الشخصية، وكيف عمل على تحويلها إلى نص قصصي شعري؟. توضح موسوعة الأساطير التاريخية أن فينوس هي آلهة الحب والجمال لدى الرومان واسمها في اليونانية الآلهة أفروديت، حيث أعتقد الرومان أن الآلهة فينوس ولدت في البحر، وجاءت إلى شواطئ قبرص في محارة، وقد اطلع شكسبير على حكاية أسطورتها من الشاعر الروماني أوفيد في كتابه الشهير التحولات، حيث حولها شكسبير إلى مادة جمالية لقصيدته القصصية، فروى فيها علاقة فينوس بأدونيس - المثل الأعلى للشباب والجمال. يتحول أدونيس إلى زهرة بيضاء نقية تعلوها نقطة حمراء، بعد أن يقتله خنزير بري خلال جولة صيد، فيصبح هذا الخيال الأسطوري القائم على الحب، منفذاً جمالياً لواحدة من رؤى شكسبير للمرأة، إذ تطل فينوس بصورة المرأة الفاتنة الحريصة على عاشقها، التي لا تتوقف عن تحذيره من خطر الحيوانات خلال جولات الصيد. يقدم شكسبير في تصويره لشخصية فينوس صورة حية للإنسان الذي يقع في المتاعب عندما يتطرف حتى لو كان هذا التطرف تطرفاً في الحب. تنكشف تصورات المرأة في أعمال شكسبير في تتبع حضورها داخل أعماله المسرحية، والشعرية، فمن المرأة الجميلة التي تبالغ في حبها للحد الذي تخسر قلبها لخسارة عاشقها الأول، إلى صورة المرأة التي تتزوج بعد زوجها الأول، والمرأة ذات الحكمة والعقل الراجح، وانتهاء إلى مجمل صورة المرأة في أدب شكسبير. يتجلى نموذج جديد من المرأة عند شكسبير في عمله المسرحي الشهير هاملت، إذ تجسد والدة الأمير هاملت، الملكة جرترود صورة المرأة التي لا تقدر الوفاء، وتفكر بمركزها وسلطتها وحسب، فتتزوج من أخ زوجها الأول المتوفى، لتخلق صراعاً جديداً في العائلة المالكة، يخوض فيه الأمير حكايته الشهيرة لكشف لغز مقتل والده. مقابل هذه التصور للمرأة تظهر صورة مغايرة بالكامل في المسرحية نفسها تتمثل في شخصية أوفيليا، فهي إنسانة طيبة بريئة وضعتها الظروف في بيئة عاصفة مضطربة، هي بيئة القصر الملكي في الدنمارك، وهي ابنة بولينيوس وزير القصر، وقد وقعت في حب الأمير هاملت. تحضر أوفيليا داخل مسرحية هاملت بوصفها حالة من المثالية والصفاء والجمال، وسط أجواء من الصراع، والمكيدة، والصراع، فتحقق توازناً للقالب المسرحي، وتشكل واحدة من الصور المتعددة للمرأة في أعماله، مؤكدة أن المرأة تشبه الحياة في صفائها وعنادها، وفي مكرها، وإخلاصها، وحبها، وبغضها. تتواصل حكاية المرأة في أدب شكسبير حتى اليوم، فشخصياتها حيّة بحياة أعماله التي ما زال المسرح يعيد تقديمها برؤى معاصرة، ليظل الإبداع إجابة على سؤال الحب، والوجود، والمرأة.