• للأمانة ، لا أجد مبرراً مقنعاً لاندهاش السعوديين من التصرفات ( المسيئة) التي أظهرها المراهق الذي يطلق على نفسه اسم ( أبو سن) ، والذي حقق من خلال ( الطقطقة) المنفلتة من كل عُقُلها شهرة كبيرة عربياً وعالمياً ، بعد أن صنع ( دويتو) مضحكاً ، يقوم على التناقض الحاد مع الشابة الأميركية ( كريستينا ) التي كانت ( تطقطق) هي الأخرى، ولكن على الطريقة الأمريكية الخاصة!. أقول إنني لا أجد مبرراً لهذا الاندهاش لأننا نعرف جميعاً ومنذ زمن بعيد أن ثمة شوارع إلكترونية خلفية ،وثقافة موازية تقوم نجوميتها على الهبوط والبحث عن الإثارة وتقديم التنازلات ، وأن معظم الشباب يرتاد تلك الشوارع متخفياً بعد أن يكون قد تعب من ممارسة دور الواعظ الحكيم والمصلح الاجتماعي في وسائل أخرى، لذا كان من المتوقع الوصول لهذا المستوى من الإسفاف والإساءة ! . • مشكلة أبو سن وأمثاله أنهم وجدوا أنفسهم نجوماً في زمن التوهان الثقافي ، والعشوائية الإعلامية ، بل إن بعضهم أصبح أستاذاً له تلاميذه ومريدوه من الشبان الذين خنقت البيروقراطية مواهبهم ، فأقبلوا على تلك الثقافة المزيفة يمارسون من خلالها الشيء ونقيضه ، تماماً كما فعل أبو سن الذي استيقظ الواعظ بداخله ذات جلسه خلاعية، فدعا كريستينا للإسلام في مشهد أقرب للضحك منه إلى أي شيء آخر . • رواج الثقافة الموازية (سريعة الاشتعال الجماهيري ) نتيجة طبيعية للسنوات العجاف التي شوهت مواهب الشباب ومسختها ،بعد أن عانوا من إهمال المؤسسات الثقافية الرسمية وتجاهلها لهم، ومن عدم وجود مناشط فنية وثقافية تستوعب مواهبهم وتضبطها وتوجهها ، فلا وزارة الثقافة، ولا حتى التعليم - منذ أن كان مقترناً بالسيدة تربية وحتى بعد طلاقهما - استطاعا لا بشكل فردي ولا حتى عن طريق أذرعهم المسماة بالأندية الأدبية، الخلاص من النظرة النمطية القديمة في إدارة الثقافة ، فالمسرح الجامعي على سبيل المثال مازال مختبئاً يرتجف منذ أيام تهديدات الصحوة وحتى اليوم!. وبالرغم من نشوء عدد من التمظهرات الثقافية والفنية ذاتية الصنع بعد دخول الانترنت للحياة العامة كنتيجة للحرمان الثقافي ، مثل ظاهرة برامج اليوتيوب التي أدهشتنا ، وبعض العروض المسرحية أو الموسيقية المتمرّدة، إلا أن الجانب الخاص بالمؤسسات الثقافية الرسمية بقي هزيلاً وعاجزاً عن استيعاب هذا التحول الثقافي العريض، حتى بعد أن خضعت الثقافة عموماً لسلطة (البزنس) التي هيمنت على مفاصل المشهد الثقافي والإعلامي. • إن النظرة الدونية للفنون التي يحملها البعض، والنظر الى التربية الجمالية والفنية على أنها رجس من عمل الشيطان ، وتمسك المؤسسات الثقافية بآليات منفصلة تماماً عن واقع الشباب سريع التغير ، هو من ساهم في ظهور أبو سن وأمثاله من نجوم تلك الثقافة المنافقة ، التي نستعيذ منها جهاراً، لكننا لا نرى بأساً من قراءة فجورها سراً.. في ازدواجية معروفة على (سن) ورمح!. m.albiladi@gmail.com