كانت الحاجة إلى خوض جولة أخرى من القتال هي الفكرة التي استحوذت على ذهن القيادة السورية بعد هزيمة حزيران، فلم يكن السوريون يرون أي أمل في تسوية بالمفاوضات بدون تعديل الميزان أولاً. كان حافظ الأسد يختلف عن معظم الزعماء العرب في أنّه تجرأ على التفكير في مهاجمة إسرائيل، وهي فكرة كان أول عربي يشترك فيها مع السادات. وكان الأسد بحاجة وقبل كل شيء إلى كسر طوق العزلة الإقليمية والدولية التي كانت تعيشها سوريا. أعلن الأسد بعد أيام من استيلائه على السلطة في تشرين 1970 أن سوريا ستنضم إلى الاتحاد المقترح بين مصر وليبيا والسودان، كما أعادت سوريا علاقاتها مع تونس والمغرب والسعودية والأردن، وتكررت زيارات الأسد إلى الاتحاد السوفييتي من أجل الحصول على الأسلحة المناسبة. وإذا كان الاتحاد السوفييتي مصدر السلاح الممكن الوحيد لسوريا، فان مصر كانت حليفتها الوحيدة الممكنة، وكان إدراك القيادة السورية للضرورة الجغرافية – السياسية لقيام تحالف سوري – مصري، ففد كانت دمشق والقاهرة على الدوام محور التاريخ العربي، وعندما كانتا تتحدان كان العرب ينتصرون، وعندما كانتا تتباعدان كان العرب يضعفون ويتعرضون للأخطار. ولو لم تنفصل سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة عام 1961، لامكن تجنّب كارثة 1967 التي لعبت فيها إسرائيل على وتر الخلافات السورية المصرية. وعلى الصعيد العسكري كان الأسد يعلم أن استراتيجية فتح جبهتين ضد إسرائيل هي من المتطلبات الجوهرية اللازمة المسبقة لتحقيق النصر. وقد اتفق المخططون السوفييت مع هذا التحليل. صاغ حافظ الأسد تحالفه مع السادات تحت مظلة اتحاد الجمهوريات العربية، وهو مشروع طموح لتوحيد مصر وسوريا وليبيا والسودان أعلن عام 1971، ورغم عدم تحقق هذا المشروع إلا أنّ اجتماعات القمة الاتحادية أدت وظيفة حيوية وهامة هي تقديم غطاء للأسد والسادات لاجتماعاتهما السرية. وتقررت ساعة الصفر في اجتماع سري بين الأسد والسادات في القاهرة عقداه على هامش لقاء ثلاثي مع الملك حسين في 12 أيلول عام 1973، وفي 3 تشرين الأول تم الاتفاق في منزل حافظ الأسد بدمشق على أن يبدأ الهجوم على الجبهتين في الساعة الثانية من بعد ظهر السادس من تشرين الأول 1973. ولكن بينما خطط الأسد لاستعادة الأرض، كان السادات لا يأمل في أكثر من إزالة العقبات أمام عملية دبلوماسية. فكانت حرب الأسد حرب تحرير، بينما كانت حرب السادات في جوهرها حرب تحريك. كانت حرب تشرين أكبر مشروع عسكري نفّذه العرب في العصر الحديث، ولكنه بدل أن يحقق الآمال الزاهية التي عقدوها عليه، فقد قدّر له أن يكون من الناحية السياسية كارثة وضعتهم على طريق التفكك، عندما خرج السادات عن الخطة المتفق عليها مع السوريين إلى الخطة غير المعلنة وهي تحقيق أي انجاز عسكري يسمح بتسوية سياسية، ترتّب عليها أكبر تراجع استراتيجي في موازين القوى لصالح إسرائيل. وفي اليوم الأول من هجومهم المفاجئ اجتاح المصريون والسوريون حواجز دفاعية إسرائيلية على جبهتي سيناء والجولان، حيث تمكن الجيش المصري من تحطيم خط بارليف، في حين كاد السوريون يصلون إلى شاطئ طبريا ونهر الأردن. كان خداع السادات للأسد يتجاوز تخريب خطة القتال على جبهتين، بل لقد امتد ذلك الخداع ليشمل دبلوماسية السلام التي كان ينتهجها طوال فترة النزاع. وكان الأسد قد فهم أن أساس التحالف السوري – المصري هو أن البلدين سيكونان كبلد واحد في الحرب كما في السلام، بحيث يبقي كل منهما الآخر مطلعاً اطلاعا كاملاً على الأوضاع، ويمنعان عدوهما المشترك من استغلال أية ثغرات بينهما. ولم يكتشف الأسد أنّه كان مخدوعاً إلا بعد انتهاء الحرب، ولم يعلم الأسد أن السادات كان على اتصال سري بكيسنجر في كل يوم من أيام الحرب. ونتيجة الضغط الإسرائيلي على الجبهة السورية بعد توقف تقدم الجيش المصري، انشغل الأسد بالدفاع عن دمشق، وبفضل جسر جوي سوفييتي تمكّن من إعادة تجهيز قواته، وضغط على حلفائه العرب للاشتراك في المعركة. دخل العراق والأردن الحرب، ورغم تكبد العراقيين خسائر فادحة فإنهم بالاشتراك مع للواء الأردني المدرّع 40 قد لعبوا دوراً هاماً في تقوية الدفاعات السورية. وفي 22 تشرين الأول صدر القرار رقم 338 من مجلس الأمن الدولي. وقبلت إسرائيل ومصر وقف إطلاق النار على الفور، أمّا سوريا فلم تفعل، واستمرت المواجهات حتى تم التوقيع على اتفاقية فصل القوات بين سوريا واسرائيل في 31 أيار عام 1974، حيث استعادت سوريا جزءا من مرتفعات الجولان بما فيها مدينة القنيطرة.