أوضح مقطعان مصوران من طائرات دون طيار للمدينة نفسها خلال الأسبوع الماضي العالمين الموازيين للحرب الأهلية السورية البائسة الطاحنة. كان العالم الأول، الذي أظهرته الصور التي حصلت عليها وكالة أنباء «رويترز»، لحلب الشرقية الممزقة، التي تخضع لسيطرة الفصائل وتتعرض للقصف الجوي المستمر بلا رحمة من قبل النظام السوري والقوات الجوية الروسية. أما العالم الثاني فهو لحلب الغربية التي يحاول الأسد أن يؤكد دوما لمؤيديه بها، أنه الوحيد القادر على ضمان حياة طبيعية. وتكشف النظرة من أعلى المدينة، عن مشاهد مأساوية باتت مألوفة لمن يعرف أخبار الحرب السورية من خلال وسائل الإعلام الغربية، لمدينة من الركام والوحشة، تضررت مبانيها، أو تدمرت بالكامل، وغطيت طرقها بالتراب والركام، مدينة تخلو تقريبًا من أنفاس الحياة. على مدى الأسبوعين الماضيين فقط قصف نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وحلفاؤه، حلب الشرقية بنحو ألفي قذيفة، مما أسفر عن مقتل المئات، وهدم مستشفيات. أما على الجانب الآخر من المدينة، فتطالعنا صورة مختلفة تمامًا. تظهر في الصور، التي تم الحصول عليها من صفحة وزارة السياحة السورية على «فيسبوك»، حلب الغربية النظيفة المحصنة من الحرب، حيث المتنزهات خضراء وارفة، والشوارع مصطخبة بحركة المرور، ومواقعها التاريخية الأثرية سليمة مصانة متألقة في يوم مشمس صحو. وتم اختتام المقطع المصور المؤيد للنظام، الذي يبدو كثيرًا مثل نسخة عربية من مسلسل «لعبة العروش»، بالتعليق «حلب.. إرادة الحياة». ويأتي كل ذلك متماشيًا مع رسائل الأسد ومؤيديه. الأسبوع الماضي، وبينما كانت حلب الشرقية تواجه غارات جوية بالطائرات الحربية طوال الليل، نشرت وكالة الأنباء الرسمية مقطع مصور عن «حياة الليل المزدهرة» في حلب. وأثارت الحملة الدعائية السياسية موجة من السخرية حيال البلاد التي شهدت أعمالاً وحشية، وباتت جوفاء بفعل نصف عقد من الصراع. وقد دمرت الحرب حلب، التي كانت يومًا ما العاصمة الاقتصادية لسوريا، وأكثر المدن ازدحامًا. أما في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، تسود الحتمية العدمية القاتمة. أخبر أحد سكان حلب، التي تخضع لسيطرة المتمردين، زميلتي ليز سلاي الشهر الماضي: «لا يعلم الناس ماذا يجب أن يفعلوا، ولا إلى أين يذهبون. لا مفر، يبدو الأمر وكأنه نهاية العالم». مع ذلك لا ينبغي التقليل من شأن الحملة الدعائية السياسية التي يشنها النظام السوري. فمنذ بداية الحرب، يصور الأسد ومؤيدوه المعارك على أنها جزء من حرب ضد الإرهاب مهمة لاستعادة وحدة البلاد. مع ذلك يعاني هؤلاء من الظلم أيضًا. خلال الأسبوع الحالي، تعرض سكان حلب التي يسيطر عليها النظام، لهجوم من فصائل المسلحة المعارضة. ولقي عدد من طلبة إحدى الجامعات حتفهم. وكتبت أنيا سيزالدو، المراقبة للوضع السوري: «ما لا يدركه أكثر المراقبين الموجودين خارج سوريا هو وجود استراتيجية محكمة ناجحة وراء الدعاية للنظام السوري. قد يبدو الأمر للصحافيين الغربيين، وعمال الإغاثة، وصناع السياسة، مثل حملة دعائية غير ذات أهمية، لكنهم ليسوا من الفئة المستهدفة. يوضح نظام الأسد لمؤيديه، حتى المترددين منهم، أنه يحكم سيطرته على الأمور. الأهم من ذلك، أنه يؤكد أنه القوة الوحيدة القادرة على ضمان حياة طبيعية».