×
محافظة المنطقة الشرقية

البلدية: إزالة 503 تَعَدٍ وتحرير 105 مخالفة متنوعة وإغلاق 14 محلاً

صورة الخبر

كيف تُودع من لايزال حاضراً في مخيلة أصدقائه وأحبائه ورفقاء دربه ومتذوقي نتاجه الفني، تلك هي معضلة الفعاليات التأبينية للمبدعين، لتبقى الشهادات، بقدر ما تحمله من فخر ، موضع لوعة وتعميق لشعور مرارة الفقد، وهكذا كانت أمسية تأبين الفنان التشكيلي الإماراتي، حسن شريف، الذي ترجل، أخيراً، تاركاً نتاجاً ثرياً من الأعمال الفنية المتنوعة. أشياء أسميها فناً عرضت المخرجة، نجوم الغانم، لقطات حملت عنوان «آلات حادة لصناعة أعمال فنية»، قالت إنها مجمعة لتصوير فيلم وثائقي، وكُتمت أنفاس حضور الأمسية وهم يستمعون لأحاديث حسن شريف، خصوصاً حينما أشار لبعض أعماله قائلاً: «أصنع أشياء أسميها فناً». وأظهرت اللقطات كيف كان يعمل شريف بدأب، ويقوم بأعمال تحتاج إلى مجهود عضلي هائل، بنفسه، من أجل صياغة مواد قاسية وفق رؤيته الفنية. كما عرضت الأمسية أيضاً بانوراما متنوعة من أعماله الكاريكاتيرية المنشورة في بعض الصحف المحلية، فضلاً عن أعماله التشكيلية المتنوعة، بما فيها التركيبية والنحت. دمعة وفيلم لم تستطع المخرجة، نجوم الغانم، حبس دموعها وهي تتحدث عن حسن شريف الذي كانت تستكمل معه تصوير فيلم وثائقي عن سيرته، قبل أن يفاجئها ويفاجئه «الرحيل». وأضافت «من الصعب أن أتحدث عنه بصيغة الغائب في هذا المقام، لكن علينا أن نتذكر ألمه، وكيف عانى من خلال رؤى نقدية ضاقت ولم تتسع لفرادة وتميز فنه، لكن في المقابل التزامه بالفن لم يتراجع، وظل بمثابة استوديو مفتوح لمناجاة وبوح فني لا حدود لهما». وتابعت «سبق حسن شريف عصره، بل إن عصره لم يكن مستعداً لفنه الخاص المتفرد، هو مشروع كبير، وكان من الممكن أن يقدم أكثر، لولا الحصار والتقوقع اللذان فرضهما عليه الكثيرون، والمحاكمة غير الفنية التي كان يتعرض دوماً لها، لكنه أبى أن يدخل في مهاترات، واستعان عوضاً عن ذلك بالصمت». الحدث الذي استضافته، مساء أول من أمس، ندوة الثقافة والعلوم، بحضور كوكبة من المثقفين والفنانين والمهتمين بالفن التشكيلي، وعدد من أسرة شريف، جاء بعنوان «لمسة وفاء»، لكنه تخطى تقليدية إلقاء «الشهادات» من معاصري الراحل وتكريم أسرته للاقتراب، إلى حد ما، من قضية شائكة، وهي ضرورة اتساع المفهوم النقدي للفنون عموماً، ولفن التشكيل خصوصاً، بحيث لا تؤدي التجارب النقدية غير الناضجة، إلى وأد تجارب فنية ناضجة ومهمة. تلك هي القضية المحورية التي يجب أن يُستفاد منها ويلتفت إليها في سيرة حسن شريف، حسب شهادات المتحدثين في «لمسة وفاء»، فسيرة الراحل منذ استهلالها حفلت بإرادة وفعل كسر المألوف والنمطي فنياً، ومفاجأة الساحة باللامتوقع، والجديد، والاستشرافي والمستقبلي، لكن ردة الفعل النقدية القاسية كادت تحرم التجربة التشكيلية المحلية والعربية، من صاحب اتجاه وبصمة شديدة الخصوصية في هذا المجال. الأمسية، التي أدارها رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم، سلطان صقر السويدي، وقدمت لها رئيس اللجنة الثقافية بـ«الندوة»، شيخة المطيري، شهدت العديد من الشهادات المطولة، وصفها أصحابها جميعاً بـ«المختصرة» و«الموجزة»، مقارنة بما يمكن أن يقال عن الراحل. السويدي أشار إلى أن حسن شريف، الذي جمعه به العمل في الهيئة العامة للشباب والرياضة على مدار 12 عاماً، كان صاحب رؤية فنية مستقلة ومتميزة، وسعى إلى تكريس جل حياته لرسالته فناناً. وأشار السويدي إلى أن شريف لم يكن مهتماً بالترويج لفنه الذي كرس له حياته، وهو الجهد الذي قام به شقيقه عبدالرحيم شريف. وقال الأديب، محمد المر، إن قصة شريف هي خيط من نسيج تقدم ونهضة الدولة، مضيفاً «تعلمنا في المدارس نفسها، التي كانت تمثل باكورة المؤسسات التعليمية بصورتها الحديثة، وكانت تشغلنا الطموحات الكبرى نفسها، التي عنوانها رؤية الإمارات متقدمة في شتى المجالات، وتأثرنا سوياً بالمؤثرات الفنية نفسها، بدءاً بالفيلم العربي القديم، ومجلتّي (الهلال) و(العربي)، ومروراً بقراءة كتب الانطباعيين والحداثيين وغيرهم». وأضاف المر «لم يحصد حسن شريف من الفهم النقدي ما كان يستحقه، وظلمه الكثير من الآراء المتعجلة وغير المتعمقة أو الواعية، ما انعكس عليه في كثير من الأحيان بالإحباط». وتابع «اختلف الأمر في ما بعد بسبب النشاط الذي دب في أوصال الحياة التشكيلية بالدولة، وعن طريق المرسم الحر ووزارة الثقافة، بدأ جيل فني جديد من الفنانين ينهل من خبرته وتجربته، وبعد انفتاح الإمارات على تيارات الحداثة، وزخم المقيمين والخبراء المختصين بالفن التشكيلي، تم الالتفات إلى ثراء وخصوصية تجربته، بسبب زيادة الوعي التشكيلي، وبدأت أخيراً تجربته تصل إلى الجمهور، بعد أن ظلت لسنوات طويلة تصنف في إطار غير المفهوم، وهو الأمر الذي تجلى بشكل خاص في الـ15 عاماً الأخيرة». وقال المر «بعد جهد طويل، وعناء ممتد، تحقق الاعتداد بخصوصية تجربة شريف، ليسلم من كان يصادر فنه وإبداعه بأنه أمام مدرسة خاصة لها قيمتها في فضاء التشكيل المحلي والعربي، كان صاحبها مجدداً ومغايراً وذا بصمة خاصة». وتوقف د.عمر عبدالعزيز عند الثقافة الهائلة التي كان يتمتع بها شريف، والبعد اللوني الخاص في أعماله، «فاللون عنده معادل نسبي يختلف من شخص لآخر، وكانت لديه رؤية خاصة تبقى فيها البيئة حاضرة دوماً، سواء في ما يتعلق بالتراث، أو الواقع البيئي». وتابع «كان لدى حسن شريف انشغال واستشراف هائل للمستقبل، بل كان شخصية تجاوزية بكل معنى الكلمة، بمعنى أنه متجاوز للحاضر، من خلال تطلعه للمستقبل، وهو ما كان يعبر عنه بامتياز في كثير من الأعمال بالسخرية، لكن ما لا يمكن الاختلاف عليه أن تجربته بحاجة إلى مزيد من الاستقراء». من جانبه، أشار إبراهيم مبارك إلى أن نتاج شريف في كثير من المراحل، كان يمثل ثورة على الواقع والمألوف، وهو التوجه الذي رسخ من حقيقة أنه بالفعل كان شخصية فنية متجاوزة للنمطي». وتابع «أي باحث منصف يسعى إلى استيعاب التجربة التشكيلية الإماراتية لا يمكن أن يكتمل مراده البحثي إلا من خلال التوقف طويلاً وباستغراق أمام تجربة عنوانها حسن شريف، فهو شخص يدرك ما يصيب، ومؤمن بما يقوم به، وقليل من يكسر دائرة المألوف، لذلك قلة هم المبدعون، الذين منهم بلا شك حسن شريف». الفنان أحمد حيلوز تحدث عن أنه يمتلك وثيقة شديدة الأهمية، تشير إلى أن أول معارض شريف كان عام 1968، وقت أن كان بالمدرسة الثانوية، مشيراً إلى أنه قدم هذه «الوثيقة» إلى دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، من أجل التعامل معها في ما يتعلق بالأبحاث والدراسات حول شريف على النحو اللائق. الفنان التشكيلي الدكتور محمد يوسف تحدث عن المراحل الفنية المختلفة في حياة شريف، وكيف كان يمنح جل وقته لفنه، وهو ما كرس تجربته لتصبح بمثابة مدرسة فنية مستقلة، وتابع «كان ذا حس إنساني عالٍ، ينجز عمله بدأب وصمت وتواضع، وكان لا يتوقف عن مساعدة الآخرين سواء من زملائه أو تلاميذه».