من الضروري، بل نظنها من واجبات المرحلة، تمرين المواطن السعودي على المتغيرات التي بدأت تظهر على الساحة العالمية، والتي حتماً ستمسّ جوهر حياته الخاصة، لا سيما في جانبيها الاقتصادي والاجتماعي. فالسعودية في غالب أوقاتها تعيش في سلام داخل حدودها، وتؤمّنها من أي اختراق، وكان معظم تفاعلها الخارجي في إطار السياسة والدبلوماسية الهادئة، وقلما كان لها احتكاك خشن مع القوى الكبرى، بعد حرب أكتوبر 1973، حيث ساندت بقوة حرب مصر ضد الاحتلال "الإسرائيلي"، وفرضت حصاراً بترولياً على العالم الغربي. وفي عالم اليوم، ثَمّ متغيرات عملاقة، وقفزات هائلة في توجهات السعودية، إذ فرض عليها حتمية التحرك عسكرياً خارج حدودها؛ لتأمين تلك الحدود من ناحية، ولصدّ المخاطر التي تفرضها المشروعات التوسعية من بعض الدول الإقليمية الملاصقة للحدود، من ناحية أخرى. هذا الخروج العسكري يدرك الجميع أن له تبعات عسكرية في المقام الأول، فقد تصطدم قوات البلاد بميليشيات مدعومة من قوى إقليمية مناوئة، وقد تصطدم بالجيش الإيراني مباشرة، في اليمن أو سوريا، وقد تتعرض أراضيها لمخاطر على نحو ما يحدث في الحدّ الجنوبي بين الحين والآخر. وهذه التبعات قد لا تقف عند الحد الجنوبي؛ إذ امتدت مساحة الصراع، وتعددت جبهات الأعداء، وهو الأمر الذي قد يستدعي اللجوء إلى رفع الاستعداد الداخلي لمجابهة الأخطار المتوقعة، وفي مقدمتها الآثار المترتبة على قانون "جاستا" الأمريكي. فقد أسقط مجلس الشيوخ الأمريكي (الفيتو) الرئاسي، وأقرّ قانون "جاستا" الذي يتيح لقتلى 11 سبتمبر ملاحقة الدول والمنظمات تحت ذريعة "رعاية الإرهاب" بغالبية 97 صوتاً مقابل صوت واحد (زعيم الأقلية الديمقراطي هاري ريد) ومجلس النواب بغالبية 344 صوتاً مقابل 76 صوتاً. وتُعتبر هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها الكونجرس الأمريكي بإلغاء "فيتو" الرئيس منذ سنة 1983، مما شكّل سابقة تدلّ على خطورة هذا القرار، والإصرار على استهداف السعودية على وجه التحديد، وهو أمر لا يكاد يختلف عليه اثنان من المحللين والمتابعين. وهذه الخطوة يمكن ينظر إليها على أنها امتداد لنوع من الإمبريالية القضائية التي تتيح للولايات المتحدة نزع مئات المليارات من الدولارات في شكل غرامات بالدولار من البلدان العربية الخليجية على وجه العموم، والسعودية على وجه الخصوص. وهو أمر جلي كذلك، وواضح لدى القيادة السعودية، حيث صرّح ولي العهد الأمير محمد بن نايف على هامش زيارته لتركيا؛ تعليقاً على هذا القانون بقوله: "لا نستطيع أن نقول لهم لا تستهدفونا، لكن المهم أن نحصّن أنفسنا قدر الإمكان". وإذا كانت المخاطر واضحة وحاضرة لدى قيادة البلاد، فإن ما ندعو إليه دائماً هو حتمية إجراء تغيير في نفسية وهيكلية تفكير المواطن السعودي؛ لتقبل تلك المتغيرات، وما قد تستتبعه من مخاطر لا تقتصر على الجوانب الاقتصادية أو المالية، ولكن تشمل كل جنبات حياته.