أصبح رامي أدهم واحداً من بين عدة أبطال تعرفهم مدينة حلب التي تعيش تحت قصف وحصار أنهك سكانها، وبات واحداً من الناس القلائل الذين مازالوا رغم الموت الذي يكتسح المدينة يرسمون الابتسامة على وجه أهلها خصوصاً الأطفال منهم. يلقبه الأطفال المحاصرون وأولئك الذين يعيشون في المخيمات بـ"عمو ألعاب"، ويطلق عليه بعض معارفه ألقاباً أخرى كـ"قائد كتيبة الألعاب"؛ كونه دأب منذ عام 2012 على جمع وشراء الألعاب التي نقل بعضها من فنلندا إحدى آمن مدن العالم، إلى الأطفال في حلب أخطر مدن العالم، في رحلة لا تخلو من المخاطر وأقلها تعرضه للقصف الذي تعيشه المدينة منذ سنوات. هوليوود وأضحى رامي، وهو مهندس بناء، محط اهتمام وسائل إعلام عالمية، يحدثها عن مأساة مدينته حلب التي ولد فيها عام 1972، وكيف أحال القصف أجزاء واسعة منها إلى دمار، حتى أن أحد المخرجين في مؤسسة معروفة بهوليوود (المركز التاريخي للسينما الأميركية) تواصل معه مؤخراً، وعرض عليه شراء قصته، وفقاً لما قال رامي لـ"هافينغتون بوست عربي". وأشار في تصريحه إلى أنه ليس مخولاً بالكشف عن تفاصيل العرض، لكنه قال إن المؤسسة أبدت رغبتها في عمل فيلم درامي عن قصة "مهرب الألعاب"، حيث تواصلت معه عبر الإيميل الإلكتروني، وعرفت عن نفسها وأعمالها، وأبدت رغبتها في شراء قصته وتحويلها إلى عمل درامي كلفته نحو 10 ملايين دولار، على أن يتم شراء القصة بـ125 ألف دولار، ومن جهته طلب هو الآخر ما بحوزة المؤسسة من اقتراحات. وقال لـ"هافينغتون بوست عربي": "رفضت العرض المقدم لي لأنه سيعطلني عن القيام بعملي في سوريا، لضرورة المقابلات والتصوير، والتحضير من أجل الفيلم، وأنا واثق أن العرض لن يزول، وعند انتهاء الأزمة في سوريا، سأفكر في الموضوع مرة أخرى". وأضاف أن أي "عرض سيقبله في المستقبل سيجري تسخيره إلى عمله في الداخل السوري، ومساعدة الشعب السوري هناك". من هنا بدأ يعايش رامي آلام السكان في سوريا الذين يتعرضون للقصف والحصار والتجويع يوماً بيوم، وقال إنه قبل بدء الاحتجاجات كان بصدد التخطيط للعودة إلى بلده والاستقرار فيها بقية حياته، مع بقاء تردده على فنلندا التي يعيش بها الآن، التي وصلها عام 1989 بعدما هاجر من سوريا وعمره 17 عاماً. لكن هذا التخطيط انهار بسبب ما قال إنه قتل وحشي بدأه نظام بشار الأسد منذ أول يوم لخروج المتظاهرين ضده في الشوارع، وأضاف أنه لم يعد يستطيع الحياة في فنلندا بشكل طبيعي بعد ما رأى مشاهد القتل، وكيف تحول أبناء بلده إلى لاجئين. وقال رامي لـ"هافينغتون بوست عربي" إنه لم يكن مقتنعاً بمساعدة السوريين عبر نقل أخبارهم فقط على مواقع التواصل الاجتماعي، "لذلك قررت أن أعمل بيدي داخل سوريا من خلال مدخراتي من الأموال"، يضيف رامي. عام 2012 قرر السفر إلى بلده سوريا، وقال إنه خلال حديثه مع أولاده عن رحلته أخبرهم بالوضع السيئ هناك وما يجري للمدنيين والأطفال الذين فقدوا منازلهم، لتسأله ابنته ياسمين: "هل تقصد أن هؤلاء الأطفال لا يملكون الألعاب؟". فأجابها: "نعم". كان رامي يحدث أولاده عن ضرورة تأمين المتطلبات الأكثر حاجة للمتضررين، لكن ابنته ياسمين لم تقتنع بأن يبقى الأطفال بلا ألعاب، فطلبت من والدها شراء ألعاب لهم، وجمعت كل ما لديها في غرفتها وغرف أخواتها من ألعاب وقدمتها له، حسبما يقول رامي. وأضاف أن حصيلة ما جمعته ابنته نحو 100 لعبة، بينها "باربي، وسبايدر مان، وكرات"، ونقلها حينها معه بالطائرة إلى أن وصل بها إلى تركيا، ومنها انتقل إلى معبر باب الهوى الحدودي ودخله برفقة الألعاب ووزعها على الأطفال داخل سوريا. ويقول رامي إنه عانى من شدة الألم الذي شعر به، بعدما رأى عائلات تعيش تحت شجر الزيتون بعدما فقدت منازلها، ولم تحظ حتى بخيمة واحدة. تفاعل واسع لا يقتصر عمل رامي فقط على توزيع الألعاب، إذ ساهم بمساعدة أصدقائه وآخرين أرادوا مشاركته في عمله بشراء الأغطية، والسلل الغذائية، بالإضافة إلى أنهم حفروا بئراً في أحد المخيمات التي كان سكانها يعانون بشدة من أجل الحصول على المياه، حسبما يقول. وبعد عودته من سوريا، نشر رامي في حسابه على فيسبوك بعضاً من تفاصيل رحلته مع الألعاب، وقال إنه "تلقى رسائل من أشخاص يسألونه عن رحلته القادمة إلى سوريا، كي يقدموا التبرعات لنقلها إلى المتضررين هناك". لافتاً إلى أنه في البداية لقي تفاعلاً على مستوى الأصدقاء. وتمكّن رامي أثناء الإعداد لرحلة جديدة إلى سوريا من جمع 600 لعبة دعا معارفه وأصدقائه لتقديمها والتبرع بها عبر فيسبوك، بالإضافة إلى جمعه حوالي 9000 يورو. وأشار في تصريحه لـ"هافينغتون بوست" إلى أنه عندما سافر إلى تركيا كان يحمل حقيبة صغيرة لاحتياجاته الشخصية، ونحو 60 كيلوغراماً من الألعاب، وزعها على الأطفال في المخيمات. وقال إنه منذ عام 2012 وحتى الآن سافر من فنلندا إلى سوريا 28 مرة، قاطعاً في كل مرة 3400 كيلومتر. مهمة صعبة يبقى الخطر ملازماً لرامي منذ أن تطأ قدميه الحدود السورية التركية، فجميع رحلاته منذ عام 2012 حتى بداية 2015 كان يعبر فيها الأراضي السورية من خلال معبر حدودي، لكن تأزم الأوضاع أدى إلى إغلاقه مراراً، وكانت حلب حينها تتعرض لهجوم وقصف عنيف. وبات على رامي أن يجتاز الحدود عبر الجبال والمناطق الوعرة، معرضاً نفسه للمخاطر، وقال إن "أسوأ رحلة في حياتي كانت في شهر يونيو/حزيران 2015، عندما دخلت إلى الأراضي السورية بطريقة غير شرعية، ومشيت لمدة 18 ساعة على الجبال وأنا أحمل 600 لعبة، وكانت كلاب الجندرمة تنبح، وأحياناً نسمع إطلاق رصاص في الهواء من حرس الحدود التركية". ورغم مخاطر عبور الحدود فإن رامي قال إنه يحترم القانون التركي، وقرار السلطات في إغلاق الحدود لما تواجهه تركيا من خطر على أمنها القومي. ويشير رامي إلى أنه لولا تعاون أصدقاء له في داخل الأراضي السورية لما كان قادراً على إنجاز عمله، فهنالك من يساعده من الجيش الحر على اجتياز الحدود، ونقله عبر طرق آمنة بعيدة عن قبضة قوات النظام أو تنظيم داعش، أو القوات الكردية، حسبما يقول. لا تنتهي المخاطر هنا، فخلال وجود رامي في حلب يصبح عرضة في أي وقت للقصف الذي لا يفرق بين الأهداف، وقال إنه قد تعرض لإصابة جراء انفجار صاروخ خلال إحدى رحله إلى سوريا، لكنه يرى أن أقل ما يمكن فعله للمدنيين الذين يعانون في سوريا دعم صمودهم بجميع الطرق الممكنة. لماذا الأطفال؟ يتحدث رامي عن سبب اهتمامه الخاص بالأطفال، ويشير إلى أن سوريا فقدت جيلاً كاملاً، ويرى أن أمل بلده حالياً يعتمد بشكل كبير على الأطفال خصوصاً أولئك الذين لم يعيشوا على أفكار نظام بشار الأسد. ويقول لـ"هافينغتون بوست عربي": "في اعتقادي أن الاستثمار بهذه الفئة من الأطفال هو الضمان وصمام الأمان لسوريا، وإذا فقدنا هؤلاء نكون قد خسرنا جيلاً ثانياً". ويصف رامي شعوره أثناء توزيع الألعاب على الأطفال بأنه يعيش أروع لحظات رحلته الخطرة إلى سوريا، ويقول إن هؤلاء الأطفال خسروا كل شيء في حياتهم، وفي أغلب الأحيان فقدوا والديهم، "لذلك عندما تعطي الطفل لعبة فأنت تذكره بأنه لا يزال طفلاً ومن حقه أن يفرح". فاطمة التي أبكته يتحدث رامي عن أكثر المواقف التي تركت أثراً كبيراً في نفسه خلال عمله في حلب، ويذكر قصة طفلة اسمها فاطمة تعيش في منطقة الشيخ سعيد حيث يعيش سكانها وسط فقر شديد. ويقول: "شاهدت الطفلة وهي جالسة على باب منزلها، وبيدها لعبة متسخة لونها حمراء، ذهبت إليها وسألتها لماذا لا تنظف لعبتها فأخبرتني بأنه لا ماء لديهم في المنزل". ويضيف: عندما "سألتها ممازحاً إياها عن إمكانية أن أتناول الطعام معها قالت إنها لم تأكل منذ يوم، وهو ما أكدته والدة الفتاة أيضاً"، ويشير إلى أنه عند سؤاله فاطمة ما تتمنى أكله، فأجابته: "فقط كوب من الحليب وقطعة من الموز"، يتابع رامي حديثه وهو يبكي. وذكر أنه تمكن بمساعدة آخرين من جلب كميات من الموز والألعاب، وبالنسبة لفاطمة كانت اللعبة الجديدة التي حصلت عليها أجمل من بقية الأشياء التي حصلت عليها. وختم رامي حديثه لـ"هافينغتون بوست عربي"، بالقول إنه "مسرور جداً لأنه سيوسع عمله داخل سوريا"، ويؤكد أنه كان يجمع الأموال من أجل بناء مدرسة للأطفال هي الرابعة التي تأسست بجهوده وجهود آخرين، وقال إن ثقة الناس به وتقديم التبرعات عن طريقه تمكنه الآن من بناء مدرستين بدلاً من واحدة.