عندما انقضت الطائرات الحربية الروسية على موكب تابع للأمم المتحدة يحاول إيصال مساعدات إنسانية إلى المدنيين قرب حلب، لم تكتفِ بتقطيع 20 إنساناً بريئاً والقضاء على إمدادات يحتاج الناس إليها بشدة، بل قوضت أيضاً بواقي السياسة الأميركية الهشة في سورية. قبل بضعة أيام، استهدفت الطائرات الحربية الأميركية في خطأ واضح قوات برية تابعة للرئيس السوري بشار الأسد، ومع أن الستين الذين لقوا حتفهم كانوا مقاتلين يحاربون إلى جانب النظام، الذي تسبب بالكثير من الضحايا والمعاناة في هذا الصراع، مما دفع البعض إلى اعتبار هذا الاعتداء مبرراً، سارع الأميركيون إلى الإقرار بخطئهم، حتى إنهم اعتذروا. في المقابل، أنكر الروس بوقاحة تلك الفظائع العنيفة المثيرة للريبة التي ارتكبوها، مع أن أحداً لم يصدقهم. يمكننا وصف الاعتداء الأميركي بكلمة واحدة: خطأ. أما الكلمة التي تصف الاعتداء الروسي، فهي: إرهاب. لا شك أن الرئيس المقبل (هيلاري كلينتون على الأرجح) سيرث الجزء الأكبر والأهم من سياسة الولايات المتحدة الخارجية التي مُنيت بإخفاقات بارزة منذ الغزو العراقي. فقد سمحت إدارة أوباما للصراع السوري بالخروج عن إطار النفوذ الأميركي وتركت بوضوح زمام الأمور لروسيا وحلفائها االبغيضين. نتيجة لذلك بات إصلاح هذا الانهيار السياسي أو تفاديه أكثر صعوبة من أي وقت مضى. نتيجة لذلك، من الملح إنقاذ السياسة الأميركية في سورية من أزمتها المستمرة، ولا شك أن هذه مهمة صعبة، إلا أن مجموعة واضحة من التوجيهات البسيطة تجعلها أكثر سهولة. يجب أن يشمل المبدأ الأول العمل بدأب على حماية الأبرياء في سورية. يشكّل الإرهاب الدولي الروسي (كما يتضح من اعتداءات النظام اليومية على المدنيين بأسلحة تتراوح بين البراميل المتفجرة وغاز الكلور) المثال الأبرز لما لم يعد بمقدورنا تحمّله، وعلى الولايات المتحدة أن تبدأ بالاستعانة بقوتها السياسية، والدبلوماسية، أو حتى العسكرية كي تضمن أن المدنيين لا يتعرضون للقتل بدون أي حسيب أو رقيب، في بعض الأماكن على الأقل. من الضروري أن تنشئ واشنطن، سواء وحدها أو بالتعاون مع شركائها، مناطق آمنة في سورية لا تتعرض للقصف بالقنابل من الجو أو لاعتداءات قتلة الأسد، وداعش، والقاعدة على الأرض، وإذا تطلب ذلك إسقاط الطائرات الحربية السورية أو حتى الروسية فليكن. لا يستطيع أي إنسان عاقل لوم واشنطن إن بدأت بإعادة تأكيد نفوذها في المنطقة بحمايتها السوريين الأبرياء من اعتداءات غاشمة مماثلة، على العكس سيصفق لها كثيرون. ثانياً، من الضروري اتخاذ خطوات مستدامة لتغيير ميزان القوى على الأرض وتبديد اعتقاد النظام أنه يحقق النصر وأنه لا يحتاج إلى التسوية. ثالثاً، ينبغي لواشنطن، إذا أرادت استرجاع المصداقية الأميركية، أن تعيد إحياء سياستها السابقة المنسية راهناً التي تعتبر أن من الضروري أن يرحل الأسد، ذلك السياسي الرقيق الصوت إنما المريع الذي يشكل مجرم حرب لا نظير له في المشهد العالمي اليوم، وألا يؤدي أي دور في مستقبل سورية. تحتاج مجموعات الثوار المعتدلة الرئيسة بإلحاح إلى حوافز كبيرة تدفعها إلى التحالف بقوة مع واشنطن وتنقلب بشكل كامل ونهائي ضد المنظمات التابعة لتنظيم "القاعدة"، ومن السهل بالتأكيد تقديم حوافز مماثل لمن يخوضون الحرب. يكفي أن نملك الإرادة، والإصرار، والموارد. أخيراً، يجب أن تعكس سياسة الولايات المتحدة باستمرار الفكرة الأساسية عن أن "داعش"، والقاعدة، ونظام الأسد المستبد تشكّل وجهين لعملة الحرب الطائفية الشاملة ذاتها. تشمل الخطوة الأولى، التي يجب أن تتخذها واشنطن، سعيها لإعادة تأكيد دورها بكل الوسائل المنطقية المتاحة، بما فيها القوة العسكرية إن دعت الحاجة، وذلك بغية البدء بوضع حد لعمليات القتل الجماعي التي تستهدف المدنيين السوريين الأبرياء. لا يمكن للاستسلام الأخلاقي والسياسي الأميركي في سورية أن يستمر. كفانا ذلك بالتأكيد. * «ذي ناشونال»