فجأة وبلا مقدمات، دخلت «حروب السلال» السياسية على خط الاتصالات الجارية لإنهاء الشغور في رئاسة الجمهورية، والتي دفعت «التيار الوطني الحر» إلى التفاؤل من جانب واحد بقرب انتخاب مؤسسه العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. وكانت للبطريرك الماروني بشارة الراعي حصة في هذه الحروب من خلال موقفه في عظة أول من أمس الأحد حين سأل كيف يقبل مرشح ذو كرامة تعريته بفرض سلة شروط غير دستورية تحل محل الدستور والميثاق الوطني وتقييد رئيس الجمهورية العتيد؟ واستدعى موقف الراعي رداً مباشراً من رئيس المجلس النيابي نبيه بري قال فيه: «أما أنك أخفيت مما أعلنت فإني أعلن ما أخفي، بين سلة للأشخاص التي اقترحتم وسيلة للأفكار التي قدمتها في الحوار، أترك للتاريخ أن يحكم أيهما الدستوري وأيهما الأجدى من دون الحاجة للمس بالكرامات وكرامتنا جميعاً من الله». ويبدو أن تبادل الردود بين بري والراعي سينسحب على البيان الذي سيصدر عن مجلس المطارنة الموارنة في اجتماعه الشهري غداً ويتبنى موقف بكركي على خلفية أن لدى رأس الكنيسة المارونية في لبنان مخاوف من أن يأخذ الموارنة كرسي الرئاسة الأولى من دون صلاحيات في مقابل حصر النفوذ في أطراف آخرين. وتخشى مصادر مارونية من مقايضة الكرسي بالنفوذ وصولاً إلى وضع اليد على البلد، وتقول أن مخاوفها تبقى مشروعة إلى حين تبيان العكس. وتؤكد أن انتخاب الرئيس يجب أن يكون المدخل لإحياء مشروع الدولة بتطبيق اتفاق الطائف وتنقيته من الشوائب التي شابت بعض بنوده نتيجة تطبيقه بصورة استنسابية أدت إلى تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية. لكن هناك مَن يقرأ اعتراض الراعي على السلة، كأن لديه إحساساً بأن طرحها في هذا التوقيت يراد منه تعطيل انتخاب الرئيس أكثر منه الوصول إلى تسوية تسهّل مهمته، مع أنه لا يقول هذا الكلام في شكل مباشر، إنما يتلمس ما بين السطور في شرحه موقفَه. وفي المقابل، تقول مصادر مقربة من الرئيس بري أنه كان يفضل عدم الدخول في سجال مع البطريرك الراعي، لأن طرحه السلة السياسية على طاولة الحوار الموسع ما هو إلا خريطة طريق لإنجاز الاستحقاق الرئاسي ولم يقصد أبداً تقييد رئيس الجمهورية وشل قدرته على ممارسة صلاحياته الدستورية بذريعة أن هذه السلة ستؤدي إلى تقليصها. وتؤكد المصادر نفسها أن بري لا يتوخى من طرحه السلة السياسية وضع شروط على الرئيس فور انتخابه، وإنما يتطلع إلى التوافق على ضوابط يشارك فيها الجميع وتفتح الباب أمام إنقاذ البلد وإخراجه من التأزم الذي يتخبط فيه، وتقول أن لبنان يمر في حالة استثنائية يتفق الجميع على أنها صعبة ومعقدة وأن هناك ضرورة للتفاهم على إطار سياسي لتفادي إدخاله في نفق جديد يصعب الخروج منه. وتسأل المصادر عينها أين الخطأ الذي وقع فيه الرئيس بري في طرحه ضرورة التفاهم على مرحلة ما بعد انتخاب الرئيس، وهل يتحمل البلد أثقال التجربة التي مر بها عهد الرئيس السابق ميشال سليمان الذي أمضى نصفه بلا حكومات، وماذا سيكون عليه الوضع عندما يطرح قانون الانتخاب الجديد على البرلمان، وهل نغرق في دوامة الخلاف التي عطلت دور كل اللجان النيابية التي شكلت وأوكل إليها صوغ القانون؟ كما تسأل المصادر هذه: «ألا يحق للرئيس بري أو لغيره معرفة إلى أين يذهب البلد، وإلا لماذا الدعوة إلى الحوار المواسع الذي يؤمن وحده شبكة الأمان لإنقاذ البلد من دون أن يفسر موقفنا هذا كأننا نعترض على الحوارات الأخرى». وتذكر المصادر كيف أن اجتماع أقطاب الموارنة في بكركي تعاطى مع الاستحقاق الرئاسي على أنه مسيحي بامتياز وحصر المعركة الرئاسية بينهم، ما أدى إلى إقفال الباب أمام مرشحين آخرين؟ لكن مجرد الحديث عن الحروب حول السلال السياسية يستدعي الوقوف أمام سلال أخرى أبرزها ورقة تفاهم «حزب الله» و «التيار الوطني الحر» وإعلان النيات بين الأخير وحزب «القوات اللبنانية» وما بينهما من بنود متناقضة «لا تركب على قوس قزح»، وفق ما تقول المصادر. وربما سينضم إلى هذه السلال ما يشاع عن احتمال وصول رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون إلى تفاهم مع زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري يدفع بتبني ترشحه لرئاسة الجمهورية، مع أن مصادر قيادية في «المستقبل» تستغرب ما يقال عن وجود صفقة سياسية، وتؤكد أن زعيمه يتحرك في كل الاتجاهات لإنهاء الشغور في سدة الرئاسة وبالتالي لم يحسم موقفه حتى الساعة، وأن لا علاقة له بتصاعد موجة التفاؤل لدى «التيار الوطني» على قاعدة أنه اتخذ قراره وأنه يتريث في الإعلان عنه ريثما يتمكن من تسويقه لدى كتلته النيابية وحلفائه. وتتعامل مصادر سياسية أخرى مع تفاؤل «التيار الوطني» على أنه ينطلق من حسابات شخصية، ولا تعكس واقع الحال الذي يحكم مروحة المشاورات التي يقوم بها الحريري وما زالت في بدايتها، خصوصاً أن هناك أمرين يتجنب عون تسليط الضوء عليهما وهما السر الذي يكمن وراء صمت حليفه «حزب الله» الذي أوقف تشغيل محركاته الإعلامية مع بدء هذه المشاورات. وتضيف المصادر: «لا نعرف الأسباب التي أدت إلى خفوت حماسة حزب الله الذي كان يكثر من تصريحاته المؤيدة لعون ويجزم بأن حضوره جلسات الانتخاب مرتبط بانتخابه رئيساً للجمهورية». وتسأل المصادر هل قرر «حزب الله» الجلوس على مقاعد الانتظار إلى حين ظهور نتائج المشاورات التي يتولاها الحريري بذريعة أنه لا يريد أن يحشر حليفه أو يتسبب في إحراق المراحل قبل نضوجها. وبالنسبة إلى الأمر الثاني، تسأل المصادر نفسها عن قدرة عون على تجاوز حليفه «حزب الله» والتمرد عليه للوصول إلى تسوية مع خصومه من دون العودة إليه، على رغم أن الآخرين ينظرون إليه على أنه الأصيل في تقرير مصير الرئاسة وأن لا قدرة للوكيل، أي عون، على الدخول معه في اشتباك سياسي، وهذا ما دفع عدداً من المشاركين في مشاورات تحريك الملف الرئاسي، إلى السؤال عن رد فعل عون إذا جاء رد حليفه سلبياً على أي اتفاق يعقده مع القوى السياسية التي تتموضع على الضفة الأخرى المواجهة له؟ لذلك، يترك صمت «حزب الله» أكثر من سؤال، لا سيما إذا كان على استعداد للإفراج عن الاستحقاق الرئاسي وهو على بينة من أن البيان الوزاري للحكومة العتيدة لن يعطيه ما أخذه في بيان حكومة الرئيس تمام سلام، إلا إذا شكلت الحكومة من لون واحد يضعها في مواجهة مع المجتمع الدولي. عليه، فإن المشاورات الرئاسية الجارية تبقى في سياق تمرير الوقت، وتفاؤل عون بالاتفاق مع الحريري يبقى إعلامياً ومن جانب واحد حتى إشعار آخر على رغم أن «المستقبل» لا يترك مناسبة إلا ويؤكد فيها أن الحريري لن يفعلها وحيداً بلا حلفائه وأن مشاوراته تبقى في مجال البحث عن كيفية الخروج من الأزمة.