غيب الموت «الشيوعي الأخير» صالح المنصور صديق الأدباء والمثقفين، إثر حادث بأحد شوارع الرياض، عن عمر يناهز (61) عاماً وسيصلى عليه عصر اليوم الثلاثاء بجامع الملك خالد، ويوارى الثرى بمقبرة أم الحمام. «أبو نضال» الذي عاش وحيداً يمشي بتثاقل على عكازه ولد بمحافظة الغاط شمال الرياض عام 1955م، وعرف عنه حضور المحاضرات والملتقيات في الرياض عبر عقود طويلة من الزمن ومشاغباته ومداخلاته الغريبة وملابسه التي تلفت الأنظار، ملتزماً بالشارة الحمراء ربطة عنق وغطاء رأس على خلاف السعوديين الذين يرتدون الشماغ والعقال والثوب. الخريف: يجب ألا نختزل شخصيته في زيه وشكله وحينما سئل عن سر لبسه وهو الرجل السعودي النجدي قال ضاحكاً: «أنا أوفر عليكم كهرباء وماء الغسيل»، المنصور يعتبر أول سعودي يسافر أواخر الثمانينات إلى الاتحاد السوفييتي، بعد السماح بالسفر إلى هناك، عاد وهو يحلم دوماً باشتراكية براغ!، حتى إنّ رواية الشاعر إبراهيم الوافي «الشيوعي الأخير» دارت حوله دون أن يشير إلى اسمه بصراحة، وكان المنصور سيرد عليه برواية أخرى اسمها «شيوعي من الرياض» لكن الموت لم يمهله! ويحكي المثقفون الذي تجمعهم به جلسات سمر أنه في نهاية كل جلسة يوزع كرته المؤطر بالأحمر، يعرف عن نفسه «باحث في الفكر، ناشط في حقوق الإنسان، شاعر، كاتب، من مؤسسي نقابة العمال ومكتبة الحرية ونقابة أنصار المرأة تحت التأسيس». الدويحي: الوسط الثقافي في الرياض سيفتقد حضوره توالت ردود الأفعال على رحيل المنصور بوسائل التواصل الاجتماعي، ففي «تويتر» انتشر «هاشتاق» يحمل عنوان #صالح_المنصور، سجل كل منهم نعيه للشيوعي الأخير، الذي عرف دائماً بحضوره الفعال في معرض الرياض للكتاب باحثاً عن كتب الشيوعية والاشتراكية. وتحدث الروائي أحمد الدويحي قائلاً: «بلغني الآن رحيل الصديق صالح المنصور نتيجة حادث دهس تعرض له من مراهق، ولا أعرف بقية التفاصيل»، مبيّناً أنّه يتشرب بحزن فاجعة وصدمة رحيل «الشيوعي الأخير» كما يطلق عليه، والذاكرة تتغذى على ذكريات مع الرجل النجدي الذي لبس البدلة الإفرنجي المهترية الوحيدة والكرافتة الحمراء، وينتعل شبشباً دون أن يبالي إلاّ بقناعاته، مشدداً على أنّ الوسط الثقافي في الرياض سيفتقد حضوره لكافة المناسبات الثقافية الذي كان يشكل علامة بارزة ومضيئة لما عرف عنه من جراءة، خصوصاً تبنيه قضايا المرأة وحقوق الإنسان. من جهته شدد الأستاذ بدر الخريف على ضرورة عدم اختزال شخصية المنصور في شكله ولا لباسه، مضيفاً: «صالح المنصور لم يكن قومياً، ولكن كان إنسانياً، متصالحاً مع ذاته ويفكر بصوت مرتفع.. صالح يحمل قلباً مفعماً بالحب للإنسان، ودائماً ما يردد الأبيات والقصائد التي تنادي بذلك، والمقربين منه يعون هذا تماماً، كما يعلمون أنّه كغيره من أبناء جيل الستينات تأثروا بالأجواء السائدة آنذاك، وتبنوا أفكاراً قد تكون صادمة للمجتمع، إلاّ أنّه مع ذلك كسب احترام من يختلف معهم». ولفت عضو مجلس الشورى د. سعد البازعي إلى أنّ صالح المنصور كان يغرد خارج السرب، «وكم نحن بحاجة إلى المزيد ممن يغردون خارج السرب لكثرة المغردين داخله، حتى إن رأى بعضنا نشازا لا تغريداً»، فيما قال القاص خالد اليوسف: «سنفتقد إطلالته التي اعتدناها في نادي الرياض الأدبي، سنفتقد حواراته ومداخلاته وتعليقاته المثيرة»، كما اعتبر الكاتب عقل العقل أنّ رحيل صالح المنصور «نهاية رجل شجاع، في زمن سقطت الأقنعة ظل وفيا لقناعاته». وطالب الشاعر مفرح الشقيقي نادي الرياض الأدبي أو أي مؤسسة ثقافية المبادرة بإقامة أمسية وفاء وتأبين للراحل صالح المنصور، كما حدث مع كثير من المثقفين، فيما بينت الإعلامية أسماء العبودي أنّ الراحل صالح المنصور في كل الملتقيات كان ينتقد سياسة التوحش من الآخر، وينادي بعدم الفصل بين الجنسين في الملتقيات الأدبية والثقافية، ووصف مشعل الفوازي ذكرياته مع الراحل: «في كل تجمع ثقافي تجده، وإن كان غير فعال به، يميل للوحدة والتأمل وتحافظ ملامحه على حزن دفين مثلما يحافظ على زيّه الأيديولوجي». لم يكن يغيب عن الملتقيات الثقافية رغم تعبه ووهنه رغم اختلاف الكثيرين معه إلاّ أنّه نال وكسب احترامهم لطالما كانت مداخلاته فاكهة اللقاءات والندوات