هل يتعلم مجلس الاحتياطي الفيدرالي من الدرس الياباني ما يجنبه مخاطر الاستعصاء الذي تواجهه أدوات البنوك المركزية النقدية والمالية التي لا تزال تستخدمها لكن بالحد الأدنى من الجدوى؟ فعلى مدى أكثر من عقدين من الزمن كرر بنك اليابان المركزي محاولاته لرفع أسعار الفائدة فوق الحدود الصفرية، لكنه اكتشف في نهاية المطاف أن النطاق الصفري لأسعار الفائدة لا يزال يحتفظ بدرجة عالية من قوة جذبه التي لا يمكن التخلص منها بيسر وسهولة، أو عندما تقتضي الحاجة فرضها. وعلى الرغم من تمنيات الجميع له بأن تنجح الإجراءات التي لجأ إليها في اجتماعه الأخير في مساعيه لبلوغ أهدافه، إلا أن تجاربه السابقة تحمل عبرة ينبغي على البنوك المركزية في كل دول العالم الاستفادة منها. فعندما تكون أسعار الفائدة قريبة من الصفر تعرف كل فعاليات الاقتصاد أن البنك المركزي مقيد ولا يمكنه فعل الكثير للوقاية من الصدمات، أو مواجهتها. وتفرض درجة الهشاشة تلك شعوراً دائماً بالقلق حيال مزيد من التخفيض الذي يصبح ملزماً عند ما تنشب الأزمة، لأن المستهلكين من الأفراد والشركات يحجمون عن الإنفاق. ومع وجود مثل هذا العائق الذي يزيد من إلحاح خفض أسعار الفائدة يصبح الإفلات من إسار النطاق الصفري كمن يحاول السفر من المشتري إلى كوكب الأرض وليس العكس. أي أن الصاروخ الاقتصادي ينبغي أن يسير بسرعة أعلى. والمقصود بهذا التشبيه هو مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. فعلى الرغم من أن المجلس اجتهد لينأى بنفسه عن الفائدة الصفرية عندما رفع في ديسمبر الماضي أسعار الفائدة نحواً من ربع نقطة مئوية، لكن تلك الخطوة لا تتعدى عملية تشغيل الصاروخ قبل إطلاقه. ولا تزال هناك عدة خطوات ينبغي القيام بها قبل الوصول إلى مرحلة إطلاق الصاروخ بنجاح. فالمجلس الذي لا يزال يعطي إشارات متناقضة حول تحركه الذي أقل ما يقال عنه أنه متردد، لم يبد الكثير من المؤشرات على تفضيله لقوة جذب الفائدة الصفرية خلال اجتماعه الأخير. وكشفت التوقعات الاقتصادية الخاصة بقرار رفع أسعار الفائدة التي رافقت الاجتماع خلال يومين، أن 14 عضوا من أصل 17 من أعضاء لجنة الأسواق المفتوحة التابعة للمجلس التي تتولى اتخاذ القرارات المالية المهمة، يعتبرون أن رفع أسعار الفائدة قبل نهاية العام الحالي لا يزال يحظى بتأييدهم رغم أنهم يتوقعون ألا يتجاوز معدل التضخم 1.3% أي أدنى بكثير من الحد المستهدف المعلن من قبل المجلس عند 2%. وقد يكون نهج المجلس منطقياً لو أن حركة الصاروخ الاقتصادي كانت من الأرض إلى المشتري، وليس العكس. فإطلاقه من المشتري نحو الأرض يتطلب الانتظار حتى يكون محرك الاقتصاد في أسرع معدلات الحركة التي تمنحه كامل الزخم. وعلى المجلس أن يتابع مخاطر تحفيز الاقتصاد ودفعه نحو الأعلى. وهنا يكون الهدف في خفض معدلات التضخم إلى 2%. وتصب التوقعات المتعلقة بالتضخم في ارتفاعه إلى مستوياته التاريخية، أو حتى أعلى منها. وقد أوضح المجلس أنه يسعى لرفع معدلات أسعار الفائدة تدريجياً بمعدلات أعلى من تلك التي شهدتها أية دورة اقتصادية تميزت بتشديد السياسة النقدية خلال الأعوام الثلاثين الماضية. ولهذا ينبغي عليه الانتظار حتى تصبح الظروف الاقتصادية أكثر قوة وتتطلب رفع أسعار الفائدة على جناح السرعة كما حصل عام 2004. إلا أن المجلس لا يستطيع الإفلات من جاذبية المعدلات الصفرية ما لم يستعد الاقتصاد قوة أدائه الناتجة عن التوسع في الاستثمارات، ومعدلات الاستهلاك. فايننشيال تايمز