أثبت الناقد سعيد السريحي في ورقة قدمها عن أسطورة جلجامش بندوة تاريخية حضرها عدد من المثقفين والمثقفات في جمعية الثقافة والفنون في الدمام، أن ذلك النص التاريخي لجلجامش لم يكن وليد فكر يتخبط في المساحة الرمادية بين الأسطورة والتاريخ بقدر ما كان نتاجا للحظة تسعى لكي ترصد التحول من الأسطورة إلى التاريخ واصفا إياها بلحظة اكتشاف الإنسان لبشريته ومن ثم سقوط ذاك الإنسان وحيدا في العالم، ووقتها كان انقطاع الحبر السري الذي يربطه بالوجود من حوله وفجيعة أن عليه أن يؤسس لنفسه وجودا خاصا به على الأرض التي لا مناص له من أن يعيش عليها ويموت فوق ترابها. وواصل السريحي أن الأسطورة إذا ما كانت تترجم الوعي للإنسان وشعوره العميق بالوحدة الشاملة التي تربطه بالعالم من حوله وبالقوى الكامنة والخفية في ذلك العالم ونضاله من أجل التصدي لتلك القوى وتمكينه من أن يسلك سبيل العيش على الأرض التي كانت لا تزال غضة بماء الخلق فإن التاريخ يبدأ من لحظة انكفاء وعي الإنسان بنفسه على نفسه وانفصاله الوجودي عن العالم من حوله فلا يعبر إليه إلا على جسر من المقولات التي تسعى إلى عقلنة علاقة الإنسان بالعالم وفق فرضيات تقوم على محددات واضحة من المكان والزمان، حيث يتمركز الإنسان حول ذاته باعتباره كائنا عاقلا قادرا على معرفة العلل وإدراك الأسباب التي يمكن لها أن تبلغ به ما يترامى إليه من تحقيق أهداف معينة وغايات محددة وفق خطط بلورتها التجربة وصادق عليها العقل الخالص. وقال في طرف من ورقته النقدية إنه من الإمكان النظر إلى الأسطورة باعتبارها تاريخ الإنسان في الكون بينما التاريخ أسطورة الإنسان في المكان. ثم وقف مليا عند حالة الطغيان التي عانى منها جلجامش من أهل مدينته، مشيرا إلى أن الصراعات التي خاضها والأحداث التي مر بها هي غير التجربة التي كانت تعيده إلى حقيقته البشرية التي تكشف له في خاتمتها عن مصيره الذي لا فرار له من مواجهته باعتباره كائنا بشريا ولد لكي يموت. ثم ختم بالقول إن جلجامش يمثل أسطورة باعتبارها نصا يرصد موت الإنسان، وتاريخا باعتبارها نصا يدون ولادة اكتشاف الإنسان لبشريته، أسطورة إن كان لا بد من أن نعتبرها كذلك غير أنها خاتمة الأساطير، وتاريخ إن كان لنا أن نعتبرها كذلك غير أنها فجر ولادة التاريخ. وزاد على ذلك بأن جلجامش ينتهي به المطاف إلى أن يضطجع خائر القوى بانتظار الموت. وشهدت الندوة عدة مداخلات منها مداخلة للدكتور محمد الخزاعي والدكتور سعد البازعي وعبدالله جمعة.