كل من سألته من المتابعين المتخصصين للشأن السياسي الأمريكي عن سبب إصرار الكونجرس على إقرار قانون (العدالة ضد رعاة الإرهاب) الذي تم الاصطلاح على تسميته (جاستا)، يرد السبب إلى أن الشعبوية، والبحث عمّا تريده المجموعات الديماغوجية، هو السبب والباعث على فرض هذا القانون الذي سيورط الأمريكيين أنفسهم قبل أن يورط الدول الموجه إليها هذا القانون، وعلى رأسها المملكة. أن تُنتهك الحصانة السيادية للدول، ويصبح من الاختصاصات الولائية للمحاكم المحلية في بلد ما أن تحاكم دولة أخرى ليس لها سيادة عليها، سينسف أول ما ينسف أهم الأسس التي قامت عليها علاقات الدول فيما بينها، ويُحول العالم اليوم إلى ما يشبه الغابة، الدول القوية تفترس الدول الأقل قوة، والسلاح هو المحاكم والقوانين المحلية، حيث ستحاكم الدول القوية الدول الضعيفة التي لا تخضع لسيادتها أو التي تطمع في ثرواتها. والمملكة كما هو معروف هي من أهم الدول التي تحارب الإرهاب بكل قواها، وفي الوقت ذاته تضررت من الإرهاب، سواء حين كان في مرحلة (القاعدة)، أو مرحلة إرهاب (داعش) الحالية، ومن يقرأ أدبيات الإرهابيين وخطابهم المعلن، يجد أنهم يضعون المملكة على رأس أعدائهم، واستهدافها في قمة أولياتهم، ويصرحون بذلك ولا يخفونه؛ كما أن أجهزة المملكة الأمنية هي من أهم المصادر المعلوماتية التي يعتمد عليها العالم، بما فيهم أمريكا، في محاصرة ومحاربة الإرهاب، فكيف استطاع (الشعبويون) الأمريكيون في الكونجرس، تجاوز كل هذه الحقائق على الأرض، وقلبوها ليكون الضحية مُدانًا. وعلى الرغم من الضجة التي اكتنفت هذا القانون الجائر وغير المقبول ولا المعقول، فأنا على يقين أن تفعيله مستحيل، ولا بد في النهاية من أن يجد المشرعون الأمريكيون العقلاء طريقة لتفادي تفعيله، عندما تنتهي فترة الانتخابات الحالية، وتهدأ مرحلة الركض خلف (الشعبوية)، واستجداء الأصوات الانتخابية بأية طريقة؛ وحسب ما وصلني من معلومات أن بالإمكان الالتفاف عليه إجرائيًا، بالشكل الذي يقلل إلى درجة كبيرة من عواقبه الوخيمة، وبالذات على أمريكا. كما أن هذا القانون أعطى المتأسلمين المسيسين، وهم الرحم الذي أنتج الإرهاب، الذريعة لتسويق خطاب الكراهية والبغضاء للغرب؛ فلسان حالهم الآن يقول: إننا مستهدفون في ثرواتنا وأموالنا، ونهبها وسرقتها من قبل الغرب بحكم تشريعاتهم القانونية، لذلك فليس لدينا خيار إلا المواجهة؛ وهذا طبعًا ما سوف يؤجج الإرهاب، ويقدم له مجندين جددًا في نهاية المطاف؛ هذا فضلاً عن أن تشريع قانون كهذا سيعطي المسوغ للدول الأخرى للتعامل بالمثل؛ لتصبح كل دولة بإمكانها محاكمة الدول الأخرى في محاكمها وبموجب قوانينها، عندها تكون (براقش قد جنت على نفسها)، وأعطت الشعوب الأخرى الآلية القانونية لمحاكمة دولة الولايات المتحدة في محاكمها؛ وهنا تقع أمريكا في الفخ الذي نصبته، أو بلغة أدق: نصبه أعضاء الكونجرس للإيقاع بالآخرين. هذا القانون قطعًا لا يمكن تطبيقه، لأنه لو طبق سيدفن ألغامًا خطيرة في الأرض، لا بد أن تثور في الأمريكيين أنفسهم يومًا ما. *نقلاً عن الجزيرة