أن يصل ثوار الجيش السوري الحر إلى أسوار مدينة دمشق القديمة، فالأمر ليس بالحدث الروتيني الذي يمكن التعامل معه كما يجري التعامل مع كل التطورات الميدانية التي يحققها الثوار ضد النظام الأسدي وأتباعه من ميليشيات إيرانية ولبنانية وعراقية وغيرها. ولعل من ضمن مظلوميات الثورة ورجالها أن المتناولين لأخبارها من الإعلاميين العرب والعجم الناطقين بلغة الضاد والجاهلين لها، يتحدثون عن دمشق والمدن السورية المشتعلة وهم الفاقدون لأدنى خلفية ديمغرافية وجغرافية وسياسية لتلك الأماكن في أحسن الأحوال، فيما البعض وفي أسوأ الأحوال يستند إلى روايات إعلام النظام وحلفائه ليصبح معها على سبيل المثال سقوط قرية القصير على الحدود مع لبنان أمرا استراتيجيا، فيما سقوط مدينة كبيرة وغنية بمواردها كالرقة أمر ليس من الضرورة الوقوف عنده وفقا لذاك الإعلام المغرض. إن أسوار دمشق القديمة التي يتحدث الكثيرون عن وصول الثوار إليها فيه الكثير من المغالطة لا بل التشويه، ليس لأن الثوار لم يصلوا إلى هناك وهو أمر قد حصل وموثق عبر أكثر من طرف محايد بل لأن دمشق القديمة أو دمشق الحقيقية هي بيد الثوار منذ ما يزيد عن السنة، فالميدان وركن الدين وبرزه والمعضمية وجوبر، الكل وتحديدا السوريين من أهل دمشق الأصليين يقطنون فيها وأبعد من ذلك، فإن النظام إذ يسيطر في دمشق الإدارية فهو يسيطر على مناطق المؤسسات الرسمية عسكرية وأمنية وإدارية وهذه المناطق التي يتحرك فيها النظام نهارا تتعرض للقصف المركز ليلا من قبل الجيش الحر والثوار، وقصص المهاجرين كثيرة مع هذا القصف وآخر تلك القصص كانت منذ أسبوع لا أكثر. إن معركة دمشق وتجدد الحديث عنها مؤخرا، الجديد فيها هو ما تسرب حول أهدافها حيث كل دوائر القرار الغربي تتحدث عن معركة «فرك أذن»، أي معركة يجبر فيها النظام على قبول «وثيقة جنيف» أي قبول هيئة الحكم الانتقالية بصلاحيات كاملة. لقد أدرك الجميع أن الأسد لا يملك الرغبة ولا القدرة على إنجاز تسوية تاريخية توقف المذبحة بحق شعبه، ومن هنا بدأ الكلام عن عملية جراحية سريعة توقف النزيف لتسمح للجسد أن يتعافى ويعاود مسيرة الحياة. معركة دمشق التي يجري الحديث عنها اليوم أمريكيا وأوروبيا وعربيا، هي الوجه الآخر لمؤتمر جنيف لا بل الحدث المحرك كما يقال في عالم النقد الروائي الذي يظهر ليرسم الخاتمة الموعودة. من درعا بدأت القصة.. ومن درعا تكتب الخاتمة كما يبدو، في الأولى لم يتعظ بشار الأسد، فهل يتعظ في الثانية؟! ..لعل الجواب عند أطفال درعا وحكاياتهم مع الجدار الذي كتبوا عليه «الشعب يريد إسقاط النظام».. فقلعت أظافرهم لكن قلع النظام بدأ من قريتهم.