×
محافظة مكة المكرمة

مغادرة 550 ألف حاج عبر مركز مراقبة تفويج الحجاج

صورة الخبر

وقف أوباما موقفا مناهضا لمشروع قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب جاستا؛ إلا أن موقفه كان سياسيا أكثر منه قانونيا، فالنظام القضائي في الولايات المتحدة لا يجعل للعرف الدولي سموا على التشريع الداخلي، بل يجوز لهذا الأخير أن يخالفه، مما يجعل سن هذا القانون متمتعا بالمشروعية الإجرائية، ولا يبق أمام أوباما سوى توجيه النقد السياسي كما حدث بالفعل حين أشار إلى أن المعاملة بالمثل -وهو مبدأ في القانون الدولي العام- يمكن أن يؤدي إلى محاسبات مختلفة لمسؤولين وجنود أمريكان، وهذا ما يجب على دولة عظمى ذات نفوذ سياسي وعسكري عالمي أن تتجنبه. على العموم فإن القانون جاء بقواعد عامة مجردة، فهو لم يشر إلى المملكة العربية السعودية، وبالتالي فهو موجه لكافة الدول، وعليه فإن ردود الفعل عليه يجب ألا تنحصر في رد المملكة فقط، بل على المملكة إنشاء تحالفات إقليمية ودولية ضد هذا القانون، لا سيما أن القضاء الأمريكي قضاء يمكن أن توجه له الكثير من الانتقادات من حيث حياده سياسيا، فأغلب القضايا التي يكون أحد خصومها عربيا لا تخلو من انحياز فما بالنا والقضايا ستوجه الى دول بأكملها. ولذلك لابد من التعامل مع القانون بجدية وبقوة، فلأمريكا مصالح وتحالفات سياسية واقتصادية مع المملكة ومن الممكن أن تشكل ورقة ضغط. على أية حال أنا لست سياسيا ولذلك سأتعرض فقط الى المحتوى القانوني، وذلك من زاويتين، الأولى هي ما يشكله القانون من ضغط قضائي على الدول المدعى عليها من خلال توسيع المسؤولية المدنية، والزاوية الثانية؛ هي الخلط بين القانون والتفاوض السياسي الذي يقترب من كونه ابتزازا ماليا. على النحو التالي: (أ) الضغط: نص هذا القانون في فقرته ب من المادة الرابعة على أنه لن تكون هناك دولة أجنبية محصنة أمام السلطات القضائية للمحاكم الأمريكية في أي قضية يتم فيها المطالبة بتعويضات مالية من دولة أجنبية نظير إصابات مادية تلحق بأفراد أو ممتلكات أو نتيجة لحالات وفاة تحدث في الولايات المتحدة وتنجم عن: 1- فعل من أفعال الإرهاب الدولي يتم في الولايات المتحدة. 2- عمليات تقصيرية أو أفعال تصدر من الدولة الأجنبية أو من أي مسؤول أو موظف أو وكيل بتلك الدولة أثناء فترة توليه منصبه أو وظيفته أو وكالته بصرف النظر عما إذا كانت العمليات التقصيرية أو أفعال الدولة الأجنبية قد حدثت أم لا. 3- لا تخضع دولة أجنبية للسلطة القضائية للمحاكم الأمريكية وفقا للفقرة (ب) على أساس الإغفال أو أن الفعل التقصيري أو التصرفات تشكل مجرد إهمال. ويلاحظ أن المضمون الإجمالي لهذا القانون يكاد يكون محصورًا في هاتين الفقرتين، كما أن القانون قد استبعد المسؤولية الجنائية واكتفى بالمسؤولية المدنية والتي وسع من نطاقها لتشمل المسؤولية التقصيرية أي الخطأ الذي ترتكبه الدولة الأجنبية والذي يؤدي الى الفعل الإرهابي، كما أن القانون اقتصر على الجرائم الإرهابية الواقعة داخل الولايات المتحدة الأمريكية؛ ومن ثم تخرج عن نطاق هذا القانون الأفعال الإرهابية الواقعة في دولة أخرى كتفجير السفارة الأمريكية في كينيا، أو الواقعة في أعالي البحار أو في الاقليم البحري لدولة أخرى كما قد حدث مع المدمرة الأمريكية كول. ومنذ البداية خالفت هذه المادة قواعد وأعراف القانون الدولي والتي ترتفع الى سموها على الدستور كما هو الحال بالنسبة لسمو اتفاقيات ومعاهدات الاتحاد الأوروبي إلى مستوى أعلى من دساتير الدول المكونة للاتحاد الأوروبي، غير أن القضاء الأمريكي قد ساوى بين الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وبين القانون الداخلي ومن ثم فإن قانون العدالة ضد رعاة الارهاب (جاستا) يلغي الاتفاق الدولي حول حصانة الدول، ولا شك أن هذا القضاء إنما يستمد قوته من كون الولايات المتحدة دولة عظمى رغم أنه بذلك ينتهك الأعراف الدولية. ولا شك أن أخطر فقرة في هذا القانون هي الفقرة التي نصت على نهوض المسؤولية لمجرد أفعال تصدر من أي مسؤول أو موظف أو وكيل بتلك الدولة أثناء فترة توليه منصبه أو وظيفته أو وكالته بصرف النظر عما إذا كانت العمليات التقصيرية أو أفعال الدولة الأجنبية قد حدثت أم لا. فهذا يعني أن الدولة تتحمل تبعة أعمال موظفيها ووكلائها إذا قاموا بهذه العمليات الإرهابية رغم عدم تورط الدولة المباشر في هذه الجرائم الإرهابية. وقد حاول القانون التخفيف والتلطيف من حدة وقسوة هذه المادة التي توسع المسؤولية الى مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع الى انعدام المسؤولية إذا كان الفعل التقصيري أو التصرفات تشكل مجرد إهمال. ولكن القانون لم يوضح الفرق بين الخطأ التقصيري والإهمال، وبالتالي يخضع تحديد درجة التمييز بين الخطأ والإهمال لتقدير قاضي الموضوع. (ب) الابتزاز: يظهر هذا الابتزاز في المادة (5) والتي أجازت وقف الدعاوى المرفوعة مع الدول أو الدولة المعنية عبر السلطة القضائية عبر سعي المدعي العام وذلك إذا شهد وزير الخارجية بأن الولايات المتحدة تشارك في محادثات بنية حسنة مع الدولة الأجنبية المدعى عليها بغية التوصل إلى حلول للدعاوى المرفوعة على الدولة الأجنبية وذلك لمدة 180 يومًا تمدد الى 180 يومًا أخرى أي سنة كاملة. أليس هذا التفاوض هو ابتزاز كامل للدولة المتفاوضة حول تقديم تعويضات للمصابين الأمريكيين. إن هذا القانون هو تقويض لقواعد العدالة ويفرض الهيمنة على الأصدقاء قبل الأعداء، ويجب على الأسرة الدولية ان تقف ضد هذا القانون وأن تواجهه بقانون مماثل يوقف أي ضغط أو ابتزاز أمريكي لها. * أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف