أمين الريحاني شخصية طريفة. كان لبناني الأصل، أميركي الجنسية والإقامة، قومي النزعة. وأقصد بقومي النزعة، إيمانه بالقومية العربية، كالكثير من المفكرين والمسؤولين من أبناء تلك السنوات. طاف العالم العربي في العشرينات، والتقى بشخصيات تلك المرحلة، ودوّن ملاحظاته الدقيقة والبليغة في كتابه الشهير «ملوك العرب»، الذي أصبح مصدرا أساسيا لكل من يبحث ويكتب عن تلك الفترة التي ولدت خلالها الكثير من البلدان العربية المعاصرة، وكذلك متسعا لمتعة كل من يبحث عن السهل الممتنع. فقد تميز أسلوب الريحاني بالطرافة وخفة الدم ودقة الملاحظة. كان من الديار التي زارها وكتب عنها المملكة العربية السعودية، والتقى خلال زيارته تلك بالملك عبد العزيز آل سعود، رحمه الله. وصفت أسلوبه بالطرافة وخفة الدم ودقة الملاحظة. وهاكم أمثلة مما أورده في هذا اللقاء. كان عند زيارته للديوان الملكي في الرياض أن لاحظ مكتوبا فوق الباب هذا البيت الذي قاله المتوكل الليثي وتعلق به المغفور له كما نستدل: لسنا وإن أحسابنا كرمت يوما على الأحساب نتكل كواحد من نجوم الطرافة السياسية العربية، سرعان ما بادر إلى اتخاذ هذا البيت منطلقا لحواره مع الملك؛ فأشار إلى الحكمة المكتنزة في تلك الكلمات البليغة والوجيزة. قال: لا أجمل منها حكمة. وإني لأجلّكم وأحترم شعبكم لأنهم يعملون بها. ولأن السيادة والمجد في بيت آل سعود نشأ عنها. أنتم عصاميون ديمقراطيون. ونحن في زمن يرفع فيه العصامي الديمقراطي فيه إلى أعلى المقامات، ولكن البيت التالي يا مولاي يقول: نبني كما كانت أوائلنا تفعل ونفعل مثلما فعلوا من هذا البيت انطلق أمين الريحاني ليخوض مع العاهل السعودي في حوار فلسفي بناء. وسجل ملاحظاته عما جرى فقال: «قاطعني عظمته قائلا: نحن نبني يا حضرة الأستاذ كما كانت تبني أوائلنا. ولكننا نفعل فوق ما فعلوا. فقلت أحسنت يا طويل العمر. أحسنت». فقد كانت فيه دلالة على التطور والتنمية والنهوض. وهنا استعمل الضيف الكريم ثقافته العربية الغزيرة فاقترح على العاهل السعودي بأن يعدل هذا البيت الثاني للمتوكل بحيث يقول: نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل «فوق» ما فعلوا