يتصاعد التفاعل الدولي ضد قانون «جاستا»، الذي أقره الكونغرس الأميركي مؤخرًا، ويقضي بالسماح لعائلات الضحايا في تفجيرات وقعت داخل الولايات المتحدة، بمقاضاة الدول التي يتورط رعاياها في تلك الاعتداءات. وازداد التفاعل في أوساط الدول الغربية والعربية والآسيوية، حيث طالب دبلوماسيون عرب، الجامعة العربية باتخاذ موقف عربي موحّد لإجبار واشنطن على التراجع عن هذا القرار، في حين طالبت دول غربية المجتمع الدولي والأمم المتحدة، بتسريع الخطى لإبطال هذا القانون، مؤكدين على أنه ينتهك قاعدة «لا أحد فوق القانون»، فضلا عن أنه ينسف كل أسس القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ويغيّب العدالة الحقيقية المنشودة، وبالتالي نشر الفوضى. وقال أوليغ أوزيروف السفير الروسي لدى السعودية، لـ«الشرق الأوسط»: «إن موسكو تعارض قانون (جاستا) بشدة، إذ إنه من الواضح تماما أن قانون (جاستا)، يعارض كل الأسس وقواعد القانون الدولي، ومع الأسف الشديد فإنه خلال الأعوام القليلة الماضية، تجلى للعالم أن السياسة الأميركية فيما يختص بهذا الجانب تنتهك القانون الدولي، حيث أصبحت بعيدة كل البعد عن هذه الأسس والقواعد المتفق عليها دوليا». وأضاف السفير الروسي: «مع كل ذلك، فإن الأميركيين لا يزالون يصرّون على موقفهم الاستثنائي الذي منحوه لأنفسهم من دون وجه حق، بأنهم فوق كل القوانين الدولية، ولذلك سمحوا لأنفسهم يتصرّفون كما يشاءون. فموسكو تعلم هذه السياسة التي تتبعها واشنطن منذ أمد بعيد، بحكم التجربة الروسية الخالصة مع أميركا في السياسة الدولية». وزاد: «إن الأميركيين كان يمارسون حيلة الاعتقال في أكثر من مرة لرعايانا الروس في خارج حدود روسيا، كما حدث مثلاً في بلاد أفريقية، ثم يرحلونهم إلى الولايات المتحدة ويطلقون اتهاماتهم هنا وهناك جزافا، ويلصقون بهم اتهامات فوق الخيال، بينما هم يقبعون في السجون إلى أعوام مديدة من دون محاكمتهم. ومن المؤسف حقّا أن تلك الممارسات الأميركية أصبحت عادية في مختلف أنحاء العالم». وشدد السفير الروسي، بأنه بناء على ذلك، فإن موسكو تعتقد جازمة، أنه من المهم أن ينبري المجتمع للممارسات الأميركية، ويتخذ موقفا صارما تجاه «جاستا»، باعتباره ينسف كل أسس القانون الدولي وأسس ميثاق الأمم المتحدة، ويغيّب العدالة الحقيقية المنشودة، مؤكدا رفض بلاده لهذا القانون جملة وتفصيلا. من جهته، قال برتران بزانسنو، السفير الفرنسي لدى السعودية، لـ«الشرق الأوسط»: «إن باريس ترفض بشدة إجازة قانون (جاستا)؛ لأنها تعلم ما سيسببه من مهددات للعالم، وفي أولها زعزعة الأمن والسلام الدوليين، وهذا واضح وسيطال كل بلاد العالم»، منوها بأن «جاستا»، لا يتوافق مع القانون الدولي، مشيرا إلى أن ذلك سيشكل سابقة وخطرا كبيرا على كل دول العالم. وزاد: «ليس من المعقول أن تقبل فرنسا بإجازة هذا القانون، ولذلك نأمل أن يتراجع الكونغرس الأميركي عن هذه السابقة القانونية، حيث إنه لا بد له أن يفهم أن إجازة هذا القانون سيخلق مشكلة كبيرة للولايات المتحدة نفسها، وسيؤدي إلى فوضى عارمة شاملة»، مؤكدا وقوف باريس إلى جانب الرياض في هذا المنحى. وفي هذا الإطار قال جمال الشمايلة السفير الأردني لدى السعودية لـ«الشرق الأوسط»: «في الواقع، إن ردود الفعل العربية والدولية، كلها كانت ضد قرار (جاستا)، وهو قرار قد يشمل دولاً عربية بعينها، وبالتالي يلحق الضرر بسيادة هذه الدول، وغيرها من دول العالم»، مشيرا إلى أن هذا القرار اتخذ من الكونغرس الأميركي مع أنه عورض من قبل الرئيس باراك أوباما، ما يدل على أنه قرار خلافي ولم يكن مدروسا. وأضاف: «حقيقة هذا القرار أزعجنا جدا، وموقفنا منه هو تماما كالموقف السعودي؛ لأنه سيكون سابقة قانونية خطيرة في المستقبل، للضغط على سيادة الدول والتدخل في شؤونها الداخلية، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها، حيث يستطيع من يشاء أن يدعي على أميركا ويحاكمها من خلال الأجهزة والمحاكم القضائية المختلفة، وبالتالي إلحاق الضرر حتى بواشنطن نفسها». وزاد الشمايلة: «إننا في الأردن، لسنا مع هذا القرار، لا شكلا ولا مضمونا، بل ننظر إليه على أنه قرار ينضوي على ضرر كبير وتدخل سافر في سيادة الدول، ولا يتطابق بأي شكل من الأشكال مع الأعراف والمواثيق الدولية المعروفة المتفق عليها، ولا مع القانون الدولي الثابت والممارس حاليا». وأكد أن السعودية، هي الدولة الشقيقة الكبرى للدول العربية، منوها بأن ما بين الرياض وعمّان كبير، مشددا على وقوف بلاده إلى جانب المملكة بقوة، ودعم أي قرار تتخذه بشأن «جاستا»، و«سيكون هناك موقف عربي، والأردن ستكون مع الإجماع العربي الرافض لهذا القرار عندما يناقش في الجامعة العربية». وفي هذا الصدد، قال منظور الحق، سفير باكستان لدى السعودية، لـ«الشرق الأوسط»: «تابعت بقلق التطورات التي تتعلق بإجازة قانون (جاستا)، ذلك الذي يسمح لأي جهة أو مجموعة بالملاحقة القانونية للحكومات والكيانات الأجنبية، ومقاضاة رعاياهم في أي بلد في الخارج». وأضاف: «نعتقد أن صدور القوانين الوطنية مع الملاحقة القضائية خارج الحدود سيؤصلان لسابقة قضائية خطيرة على نطاق دولي، وسيقودان إلى حالة من الإرباك على نطاق واسع، وبخاصة في الوقت الذي نحتاج فيه بالأحرى للسعي إلى خلق شكل أكبر من أشكال التقارب والتفاهم والتعاون الوثيق». وفي هذا الصدد، قال عبد الباسط السنوسي السفير السوداني لدى السعودية لـ«الشرق الأوسط»: «إن إقدام الكونغرس الأميركي على إجازة (جاستا)، ورفض استخدام الرئيس باراك أوباما حق النقض ضده، يمثل ليس فقط تراجعا أميركيا عن إحقاق العدل وبسط العدالة الدولية المنشودة، وإنما يعزز ثقافة التلاعب بالقوانين الدولية ونسف مواثيق الأمم المتحدة، لتغليب سياسة استغلال المؤسسات الدولية لبسط الهيمنة الأميركية على العالم». ولفت السنوسي إلى أن هذا المسعى الأميركي، لا ينفصل عن المخطط الذي يتبناه اللوبي الصهيوني لاستعداء البلاد الإسلامية والعربية وفي مقدمتها السعودية، مطالبا الجامعة العربية بضرورة اتخاذ موقف أكثر صلابة ضد «جاستا»، وقلب السحر على الساحر، وإجبار واشنطن على منع تمرير هذا القانون، الذي سيلحق ضررا بالأمن والسلام الدوليين، على حدّ تعبيره. ولا يستبعد السنوسي، أن القصد من إثارة هذا الأمر بعد مضي أكثر من 15 عاما على أحداث سبتمبر (أيلول)، هو ممارسة شكل من أشكال الضغط، ليس على السعودية فقط وسياستها في المنطقة، وإنما على البلاد العربية والإسلامية كافة؛ لأنها الأكثر تضررا بهذا القرار «المجحف»، منوها بأنه يعبر عن أجندة خفية أيضا، لإثارة الفوضى، وإشعال مزيد من الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، فضلا عن أحداث كل من اليمن وسوريا. من ناحيته، قال ناصر حمدي السفير المصري لدى السعودية لـ«الشرق الأوسط»: «موقفنا دائما إلى جانب الرياض ضد (جاستا)؛ لأنه قرار يضر مصالحنا جميعا، وكل التقارير لم تثبت إلا عكس ما ذهب إليه هذا القرار، بأنه ليس هناك أي تورط لأي حكومات فيما حصل، وهذا القرار سيفتح الباب لخلق شكل من أشكال السلوكيات والتصرفات غير المنضبطة، بل ربما ينتهي بفوضى عارمة». وأضاف السفير المصري: «هناك حاجة ماسة لأن يكون هناك تنسيق أقوى بين البلدان العربية من أجل تعزيز التصدي لهذا التوجه»، مشددا على أهمية وجود موقف عربي موحد؛ لأنه في نهاية الأمر سيؤثر على العلاقات الدولية بشكل عام، مؤكدا أن انعكاسات هذا القرار على أميركا نفسها سيكون بالغ الضرر على مصالحها في العالم. واستغرب حمدي، محاولة واشنطن المغامرة بعلاقتها الاستراتيجية مع الرياض، منوها بأن الإرهاب لم يعد صنيعة حكومات، وإنما أفراد في مختلف أنحاء العالم، مضيفا أن الأمر على العكس، حيث إن أكثر البلاد تضررا من الإرهاب هي السعودية ومصر، مشيرا إلى أن الرياض والقاهرة، يدفعان ثمنا باهظا جراء ذلك، في حين أنهما الأكثر حراكا لمحاربة الإرهاب.