خلال ورشة عمل كنت أحد حضورها بعنوان «تحديات القوى العاملة المستقبلية في صناعة الطيران» ضمن القمة العالمية للطيران والفضاء بأبوظبي في أبريل 2014، تحدث نائب رئيس مجموعة إيرباص الأوروبية لصناعة الطيران للموارد البشرية عن سياسة تتبعها الصانعة الأوروبية في البحث عن الكفاءات والمواهب حول العالم وتطويرها وتوظيفها. يقول: نعقد اتفاقيات مع عدة دول حول العالم نقوم بموجبها بإقامة فعاليات ومعسكرات علمية لطلبة الجامعات، بتنظيم مباشر من إيرباص أو عن طريق شراكات محلية، في محاولة لكشف المواهب المدفونة والمهملة في بلدانها، نقوم بهذا منذ عدة سنوات الآن، علمتنا التجربة أمرين مهمين؛ الأول: أن الموهبة تولد وتبقى كامنة حتى يتم اكتشافها، فمهما كان نظام التعليم سيئاً لا يمكنه قتل الموهبة، لكنه بكل تأكيد لن يُستفاد منها إلا باكتشافها وتحفيزها وتطويرها.. الثاني: أن كل ثقافة وشعب له تفوقه الموهبي الفريد الذي يتميز به عن باقي الثقافات والشعوب، ومن هذا المنطلق نجوب العالم بحثاً عن العقول التي قد تضيف لإيرباص وتساعدنا على التطوير والابتكار. كوّنا قاعدة بيانات عريضة عن التجارب وورش العمل والمسابقات ومهارات المشاركين في برامجنا ومعسكراتنا العلمية حول العالم، ومن خلال برمجة متطورة تقوم بمقارنة المشكلات التي تواجهنا بقاعدة البيانات فتعطينا المنطقة أو الدولة ذات الاحتمالية الأكبر لتقديم حلول لهذه المشكلات بناءً على خوارزميات تأخذ بالاعتبار معايير معينة فيسهل علينا إيجاد الحلول. وفي نفس الورشة تحدث نائب الرئيس للموارد البشرية في عملاق صناعة الطيران الأمريكية بوينج: نقوم بمبادرة المجتمع للتعريف بما نقوم به وأهميته للعالم، فالكثير من الناس -خاصة صغار السن حيث تكمن المواهب الجديدة- يجهلون صناعة الطيران، فنقوم بتعريفها لهم وإلهامهم لمحبتها والابتكار بها.. وبنفس الوقت شدد على أن الموهبة عالمية وغير محصورة بمنطقة جغرافية أو عرق محدد. للأسف تندُر مثل هذه المبادرات في مجتمعاتنا، فكم من موهبة ظلت حبيسة تحرق صاحبها كما تحرق النار عود الثقاب، حتى أنهكته وخسره المجتمع والوطن، ويمكن استثناء مبادرتين هامتين؛ الأولى مبادرات إثراء التي تقودها «أرامكو» من خلال مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي، والثانية تقودها روح الشباب «مسك الخيرية» من خلال عدة مبادرات في الثقافة والإعلام والتعليم. فالإبداع والابتكار لا يأتيان مصادفة وإنما هما نتاج بيئة حاضنة توفر المناخ المناسب لحرية الفكر والتنافس الإيجابي وإطلاق القدرات، والأهم هو وجود نظام يستوعب هذه الأفكار ويحللها ويدعم أصحابها المبادرين لإيجاد الميدان المناسب للتطبيق.. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، عندما كان يتحدث أصحاب المبادرات الإبداعية أمثال «ستيف جوبز» وغيره فإنهم يتذكرون أن المتجمع الأمريكي نفسه منحهم ما يسمى بـ «حرية أن تحلم» وهو ما أعطاهم هذا النفس الإبداعي والذي قادهم لصناعة إمبراطوريات في المال والأعمال. إيرباص بعد جولة مبادرات في الوطن العربي قررت أخيراً أن تحط رحلها في وطننا الغالي للبحث عن الموهبة والإبداع السعودي في صناعة الطيران من خلال مسابقة تنافسية أعلن عنها بعنوان «انطلق مع إيرباص».. إذا كنا لم ننجح في اكتشاف مواهبنا التي أثبتت علو كعبها في بيئات حاضنة تعليمية وبحثية عديدة حول العالم، وتوفير المناخ المحفز لهم على الإبداع والابتكار، فلا أقل من فتح الأبواب الموصدة أمام الكشافين الذين يرون بأبنائنا مالا نراه فيهم، ولندعم ونشجع أبناءنا على المشاركة في مثل هذه المبادرات، فهي الطريق الأمثل لاكتشاف مكنوناتهم ومواهبهم وتطويرها، ومن ثم توظيفهم لتأسيس صناعة طيران حقيقية بسواعد وطنية. - الكابتن الطيار/ سليمان المحيميدي