الهند دولة جَمَعتْ أكبر عدد من الطوائف الدينية في العالم، وكثير منها لا ينتمي إلى ديانات ديانات سماوية معروفة، ورغم هذا التعدد الذي يومئ بالتشتت الديني، إلا أن الهند استطاعت في فترة قصيرة أن تحتضن الكل فى ظلال الوطنية الرحبة، مُتغلبة بفكر سياسي عبقري على كافة الحزازيات الدينية، ودافعة بجهود كل المواطنين على اختلاف مشاربهم في اتجاه بناء الهند كمارد اقتصادي واعد. حينما فكّرًتْ الهند بالعقلية الاقتصادية نجحت بشكل مُبهر في وأد بؤر الاحتقان الديني والسياسي، لأن حكومتها بثتْ رسالة وطنية إلى شعب الهند، مفادها أن كل مواطن هندي - مهما كانت مهنته أو ديانته - قادر من خلال مجاله، مهما صَغُر، على تقديم خدمات جليلة لاقتصاد وطنه، وأن هذه الخدمة سَتُنْسبُ إليه ولن يسرقها أحد منه، وأنه بقدر براعته وكفاءته في دفع اقتصاد بلده إلى الأمام سيتقدم،هو، إلى مقدمة الصفوف، دون اكتراث بأي معيار إلا بمعيار الكفاءة والوطنية. إذاً، استطاع ساسة الهند أن يبتكروا صيغة سياسية في ثوب اقتصادي لفن التعايش بين مواطنيها، بحيث صار النهوض بالاقتصاد الهندي - ليكون منافساً لأكبر الاقتصاديات العالمية – غاية كبرى لكل فرد فيها، ومن ثم صار توجهاً وطنياً مشتركاً يلتقي كل الهنديين حوله بلا خلاف ولا نزاع، ولكل فرد هندي بعد ذلك أن يمارس طقوسه الدينية كيف يشاء، وأن يفكر كيف يشاء، بلا إقصاء ولا تضييق ولا مطاردة، شريطة أن يحتفظ بهذا لنفسه ولا يلزم به غيره. الذكاء الهندي يكمن في إحالة الاختلاف الديني والمذهبي إلى طاقة اقتصادية جبارة يتنافس في ظلها الكافة بلا تمييز، كما يكمن في القدرة على محو منطقة رحبة كان الكارهون لانطلاقة الهند يمارسون فيها كل ألوان اللعب على العصبيات والقبليات الدينية، حدث هذا دون أن نسمع تنظيراً أو تأطيراً عن هذه الخطة الهندية البارعة، وإنما عَمَدَ السياسيون والاقتصاديون إلى تطبيقها بصمت ودهاء، حتى رأينا آثار ذلك في تقدم الهند المذهل على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية من عام إلى عام. أتساءل، ماذا لو صادفنا ظروف الهند؟، والمصريون ينتمون إلى ديانتين سماويتين، إسلام، ومسيحية، ورغم هذا لم نجد حتى الآن شيئاً نتفق عليه للنهوض بمصر، ذلك لأن الأنانية وحب السلطة قد سيطر على الجميع، كنت أتمنى ممن يجعجعون في وسائل الإعلام وعلى شبكة الانترنت أن يقدموا لمصر وصفة اقتصادية واقعية تخرجها مما هي فيه بدلاً من اللغو السياسي الفارغ الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، كنت أتمنى ممن تقمصوا دور الزعماء أن يطرحوا حلولاً اقتصادية للأزمة التي يمر بها الوطن لأن الناس لن تأكل ولن تشرب سياسة. أبصم بالعشرة أن النخب السياسية المصرية قد رسبت في الامتحان رسوباً مدوياً، وأن القادم من الأيام سيشهد إزاحتهم جميعاً من أماكنهم بعد أن فشلوا في كل شيء إلا إيقاظ الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، بعد أن فشلوا في كل شيء إلا بث الفرقة والكراهية بين أبناء مصر، ستقول الجماهير كلمة أخرى داخل صناديق الانتخابات في المرات القادمة، بعد أن سقطت الأقنعة وذابت أجساد الجليد وقت أن بانت الشمس!. أقول، لولا مؤسسة وطنية وقوية كجيش مصر لدخلت مصر إلى مرحلة الفوضى ومن ثم إلى مرحلة التقسيم التي خططت لها قوى عالمية وإقليمية وبمساعدة من عناصر داخلية، ولكن ليس بمقدور الجيش أن يستمر في صناعة المستحيل ونخبٌ سياسية واقتصادية غارقة في بحور التنظير والتأطير الفارغ لأوهام لا علاقة لها بالواقع، أو اللعب بأحلام البسطاء بغية صوت في صندوق لانتخابات معينة، وكأن المنصب صار غاية لا وسيلة للتغيير والتطوير. تأملوا بصمت تجارب الذين تقدموا، ثم اصمتوا أكثر وأنتم تسعون نحو التطبيق والتنفيذ.. أثابكم الله.