المخرج الإيراني سرفستاني أمام مقبرة أخيه رستم (المجلة) مهاباد: روشن قاسم •سجناء سابقون: كانت مساومتنا بأن نبرهن للنظام توبتنا أن تتظاهر بالندم و دفع مبالغ مالية طائلة لتخيف الأحكام أو الهروب من حكم الإعدام •السياسي الإيراني كارباسي: لا يحكم إيران أي دستور.. وقوانين الثورة الإيرانية ما زالت مستمرة ومحاكم الثورة أبدية الصلاحية •المخرج الإيراني نيما سرفستاني لـ «المجلة» أسعى إلى توثيق جرائم النظام الإيراني وتدويل قضية شعب يعايش الموت وطرحها في محكمة دولية تقاصص النظام المجرم الذي حرم أمي من احتضان أخي رستم وحرم أمهات إيران من العيش في آمان •عمل نظام الملالي من الخميني إلى خامنئي على تدمير القضاء واستبداله بنظام الولي الفقيه •سياسيون إيرانيون: الإعدامات السياسية في عهد روحاني أشد بطشا وعذابا من سابقيه ..و هناك استهداف للأقليات وما زال النظام يضع العقوبات في إطار تهم (محاربة الله ورسوله)، (التآمر على الثورة) أو (الإفساد في الأرض) تهما جاهزة لمعارضيه». •سياسي كردي: العالم النووي شهرام أميري بقي 10 سنوات بسجن انفرادي حتى إعدامه بأمر مباشر من خامنئي..وعالم الفيزياء أوميد كوكبي يصارع المرض في سجن (إيفين) بطهران بعد مرور 6 سنوات من اعتقاله •سجين: يستخدم الحرس الثوري يوميا شاحنات التبريد المخصصة لتوزيع اللحوم في نقل رفاة من يتم إعدامهم رميا بالرصاص .. فيما يتولى الحراس تنظيف المكان استعدادا لليوم التالي •«خاوران» مكان المقبرة الجماعية الواقعة غرب طهران التي تضم رفاة أكثر من 30 ألف سجين سياسي أعدمهم نظام الخميني عام 1988 •حاول نظام خامنئي أكثر من مرة تدمير مقبرة خاوران التي تعتبر أهم وثيقة تثبت وقوع المجزرة الجماعية التي ارتكبها، والتي أخفاها إلى أن تم اكتشاف مكانها من قبل ذوي الضحايا •عام 2005 أصدر أحمدي نجاد بصفته رئيس الجمهورية مرسوما لتهديم شواهد القبور لبعض السجناء السياسيين الذين أعدموا في مجازر جماعية •الكاتب والباحث شاهين البلوشي: أغلب الإعدامات تتم في السجون السرية وبعضها تتم في الساحات العامة أمام الملأ، ولا توجد محاكم مدنية محايدة •الباحث الأحوازي يوسف عزيزي لـ «المجلة»: العقوبات التي تطبق على الأحوازيين والكرد والبلوش هي أشد من ما يطبق على الفرس لتهم مماثلة •السلطات الإيرانية قامت بإعدام الشاعر الأحوازي هاشم شعباني، والمعلم الأحوازي هاشم راشدي في العام 2014 بتهمة القيام بأعمال عنف بينما كانا ناشطان بمنظمة الحوار الثقافية في مدينة الخلفية شرق إقليم عربستان الأحواز •دعت 22 منظمة حقوقية إيرانية في بيان مشترك المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق للتحقيق حول الإعدامات السياسية المتزايدة رستم حي لم يمت أحيانا.. أحسده لأننا نكبر في العمر ونصبح مسنين، بينما هو لا يكبر أبدا.. يبقى في الثامنة عشرة من العمر.. حيث اعتلى منصة الإعدام، حتى أنه ما زال يعيش معي ومع أمي التي لم يسمح لها الباسدران (الحرس الثوري الإيراني) أن تحضنه، فقد دفعوها وأسقطوها أرضا، بينما القاضي ينطق حكم الإعدام، قامت وتوسلت إليه لتخفيف حكمه على رستم، لكنهم أخذونا نحن الاثنين هو محكوم بالإعدام وأنا بالسجن 15 عاما. عائدا بذاكرته إلى عام 1981، يتابع نيما سرفستاني: «كل من كان معنا في سجن عادل آباد لن ينسى ذلك اليوم، حيث كان رستم يقف في الطابق الأرضي متهيئا لتنفيذ حكم الإعدام ركضت نحوه، كنت مدركا أنها المرة الأخيرة.. كان صوتي يرتجف وكان يحاول هو إظهار تماسكه، لحظات وجاء الباسدار حضنته ولم أستطع قول أي شيء، فقط قلت له لا تخف.. هز برأسه حسنا وابتسم والباسدران اقتادوه بعيدا». ويقول سرفستاني، المخرج الإيراني، خلال حوار أجرته معه «المجلة» في استوكهولم: «بعد إعلان قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979 وفتوى الخميني حول إعدام عشرات آلاف النشطاء السياسيين في السجون إبان الثمانينات من القرن الماضي، كنا أنا ورستم من ضمن الآلاف الذين اعتقلوا باعتبارنا يساريين، فيما تمكنت أختي وأخي الآخر من الهروب قبل مجيء الحرس الثوري مداهما منزلنا بلحظات»، مضيفا: «سقنا إلى سجن عادل آباد بمدينة شيراز، وبما أن حكمي كان يعتبر مخففا مقارنة مع حكم رستم فقد طلبوا من أهلي دفع 15 ألف ريال لتخيف الحكم»، مضيفا: «قاومنا فلم نشأ أن نمنحهم كل شيء بسهولة، كنا نطالب بكل شيء بطريقة سلمية عبرنا عن مطالبنا، ولكن جوبهنا بالعنف، وكان قرارهم إنزال أشد العقاب لمن يخالفهم، والإعدام كان أسهل الطرق لزرع الخوف والرعب في المجتمع، لتغدوا سجونهم إيفين، وكوهر دشت، وغزيل هيسار، وكهريزاك، وعادل آباد، وغيرها عبارة عن أبواب للموت». رغم مرور 37 عاما على ذلك، فما زالت آثار جرائم الإعدامات التي طالت أفرادا وجماعات من المناهضين لنظام الملالي تؤرق الناجين وذوي الضحايا، وليس نيما سرفيستاني الوحيد الذي يعيش آلام ما تعرض له، فهناك الآلاف. خاوران مقبرة الضحايا أحد السجناء الذي فضل عدم ذكر اسمه، حيث إنه طاوع النظام مقابل الإفراج عنه، يعود بذاكرته إلى مجزرة عام 1988 المعروفة لدى الإيرانيين بـ (:۱۳۶۷ إعدام زندانیان سیاسی در تابستان) بدأت من 19 يوليو (تموز) 1988 وإلى خمسة أشهر لاحقة تم خلالها إعدام الآلاف من السجناء السياسيين في جميع أنحاء إيران، وكان السجناء من مؤيدي وأنصار حركة مجاهدي خلق وأنصار الفصائل اليسارية، وحرصت السلطات على أن تتم عمليات الإعدام بتكتم وسرية تامة، وأن تنكر ذلك الحدث، ولكن لوسع نطاق العملية وبشاعتها تمكن الناجون ممن بقوا على قيد الحياة أن يدلوا بكلمتهم حول هذه الواقعة. ويكشف السجين لـ«المجلة» قائلا: «كانت مساومتنا بأن نبرهن لهم توبتنا؛ لأنه لا يكفي أن تتظاهر بالندم، بل عليك أن تنفذ ما يثبت أنك تائب حقيقي، وكانوا يسألون هل أنت مستعد لإعدام أحدهم من الذين قررت المحكمة إعدامهم، في البداية يبدو السؤال مخادعا وتحاول بدورك أن تخادعهم وتقول نعم مستعد لفعل ذلك، أخذا في الاعتبار احتمالية أن يكون طوق النجاة بالنسبة إليك، وتنجو من الموت المحتم، ولكن لا ينتهي الأمر بمجرد إعلانك الاستعداد لفعل ما يطلب منك، بل تفاجأ أنه عليك تنفيذ ذلك واقعا فهو ليس مجرد اختبار»، معتذرا عن ذكر تفاصيل ما قام به مقابل الإفراج عنه. ويتابع واصفا ما كان يجري في السجن الذي أودع فيه إذا أنهم والكلام للسجين: «وضعوا مجاهدي خلق في زنزانات منفصلة عن زنزانات اليساريين.. كان يأتي حارس في وقت متأخر من الليل يقرأ قائمة أسماء ويصطحبهم معه، وبعد فترة وجيزة يأتي حارس آخر معه قائمة أخرى بالأسماء يتلوها ويأخذ أصحابها، وخلال يومين أو ثلاثة أيام كان يتم إفراغ الزنزانات تقريبا»، لافتا إلى أنه «سمع من أحد المساجين الذين كانت في زنزانته نافذة صغيرة تطل على ساحة السجن، بأن المساجين كانوا يؤخذون في حافلات صغيرة وبعد ساعة كانت تعود الحافلات فارغة، وأنه لم ير أولئك المساجين مرة أخرى، أما الحراس فكانوا يختفون من المهجع عند أخذ السجناء، وكانوا يعودون قبل الفجر»، مضيفا: «عرفت فيما بعد أنه كانت تستخدم شاحنات التبريد الكبيرة، المخصصة لتوزيع اللحوم، كانوا يستخدمونها في نقل رفاة من يتم إعدامهم رميا بالرصاص من السجناء وكانت تحمل 60 جثة في الليل ممن يتم رميهم بالرصاص فيما يتولى الحراس تنظيف المكان استعدادا لليوم الآخر». ويلفت قائلا: «حتى اللحظة الأخيرة أصدقاؤنا الذين وضعت حبال المشنقة حول رقابهم لم يعلموا السبب، حيث كانت كل الأسئلة مبنية على الخداع، فمثلا كانوا يطرحون أسئلة على أعضاء مجاهدي خلق تقود إلى الإجابة بأنهم كانوا يقاتلون الخير لهذا تم إعدامهم، وكان السؤال الأساسي إلى كل الماركسيين هل أنت مسلم أم ماركسي وكانت الإجابة تحدد سواء سيبقى حيا أم سيموت.. كل الذين دافعوا عن معتقدهم السياسي هم الآن موتى في (خاوران)». و«خاوران» مكان المقبرة الجماعية الواقعة غرب طهران، التي تضم رفاة أكثر من 30 ألف سجين سياسي أعدمهم النظام عام 1988، وحاول النظام أكثر من مرة تدمير مقبرة خاوران، التي تعتبر أهم وثيقة تثبت وقوع المجزرة الجماعية التي ارتكبها، والتي أخفاها إلى أن تم اكتشاف مكانها من قبل ذوي الضحايا، والتوجيهات صدرت لأول مرة عن خامنئي شخصيا، وتم وضعها في جدول أعمال أحمدي نجاد عندما كان يرأس أمانة طهران، واضطروا إلى تجميد العملية إثر احتجاج عوائل الضحايا، وفي عام 2005 أصدر أحمدي نجاد بصفته رئيس الجمهورية مرسوما لتهديم شواهد القبور لبعض السجناء السياسيين الذين أعدموا ضمن مجزرة عام 1988. عهد روحاني أشد عذابا ولا يمر يوم في إيران دون أن تشهد تنفيذ حكم إعدام، حيث يرى المحلل السياسي الإيراني فه رزين كارباسي، أن إيران لا يحكمها أي دستور أو قانون؛ لأنهم يعتبرون أنهم ما زالوا في ثورة وأن الثورة الإيرانية الإسلامية ما زالت مستمرة، وهذا ما يجعل صلاحية محاكم الثورة أبدية الصلاحية، ولا يرى أنه هناك أي اختلاف بين ما كان يجري بعد الثورة أي بين عامي 1981 و1988 والحاضر. ويوضح وجهة نظره في حوار مع «المجلة» قائلا إنه «فقط ثلاثة مدعين عامين ورئيس الأمن في الدولة كانوا ينظمون عملية القتل الجماعي في تلك الأعوام، فلقد صمم النظام آنذاك على تنفيذ هدفين الأول تدمير النظام القضائي واستبداله بنظامهم، والثاني أن يكون (آية الله الخميني) الولي الفقيه مما يجعله يتخطى القانون والدستور في الأشهر الأولى من الثورة الإسلامية عام 1979، بقوانين مدرجة في قانون الشريعة ومنها تعريف محاربة (معاداة) الله وقانون مفسد في الأرض، ففي حين يرد تعريف لـ«معاداة» بقانون العقاب الإسلامي ويتضمن الجرائم التي ترتكب ضد النظام الحالي، لكن مصطلح مفسد أو الفساد في الأرض لا يملك أي تعريف مقبول في القانون، ويعود تفسيره إلى القضاة وتحديد تعريفه يتم من خلال 4 أنواع من العقوبات وهي: الموت، والصلب، وبتر اليد اليمنى والقدم اليسرى، والنفي، التي فسروها بالسجن لما لا يقل عن سنة واحد لتعليق التوبة التي يقبلها قاضي الشريعة من السجين، التي يمكن أن تمتد سنوات عدة من السجن، وفي القانون نفسه يسمح بالإدانة الجماعية للأشخاص معتمدين على فتوى للخميني، التي تقول: لو حاربت منظمة ما النظام الحالي فكل الأشخاص المرتبطين بذلك أو الداعمين أو أي شركاء سيعتبرون جميعا مسؤولين عن جرائم تلك المنظمة، وهذا يعني أن أي فرد ينتمي إلى مجموعات تغطيها هذه الفتوى يمكن إعدامه من دون أي استجواب إضافي». إيراني كردي يحمل صورة أخيه الذي أعدمته السلطات الإيرانية (المجلة) ويتابع قائلا: «بالمقارنة بين الأمس واليوم، في الأمس أقامت السلطات القضائية الإيرانية محاكمات صورية مجددة لعدد كبير من السجناء السياسيين الذين كان أغلبهم قد حكموا وصدرت عليهم الأحكام بالسجن، وكانوا يقضون مدد سجنهم، ولكن غالبيتهم أعدموا خلال المحاكمات الجديدة، وهذا ما يحدث اليوم من خلال إعدامات لسجناء يقضون محكوميتهم، ومنهم إعدام الكرد السنة بتهم السلفية مع أنه ألقي القبض عليه حتى قبل ظهور (داعش»)، مستأنفا: «طبعا لم تتغير ممارسات النظام؛ لأن جميع المتورطين في هذا الجريمة لا يزالون يتربعون على المناصب القيادية في النظام، وجميع كبار المسؤولين في السلطة القضائية هم الذين كانوا متورطين مباشرة في هذه الجريمة»، مضيفا: «هناك طرق يتبعها النظام تؤدي في النتيجة إلى انتحار السجناء، وتوفر لهم أدوات من خلالها يتمكنون من وضع حد لحياتهم، بل تشجعهم على الانتحار داخل السجن، وفيما يخص النساء فإن السجينات العذارى يتم اغتصابهن قبل تنفيذ حكم الإعدام انطلاقا من اعتقاد في المذهب الشيعي بأن العذراء تدخل الجنة، لذا يتم اغتصابها بعقد زواج متعة لشرعنة الاغتصاب، ناهيكم عن حالات اغتصابات للذكور والإناث من الإصلاحيين في سجن كهريزاك جنوب العاصمة الإيرانية، والمعروف باسم غوانتانامو طهران، الذين اعتقلوا خلال الاحتجاجات عقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية بفوز أحمدي نجاد على المرشح الإصلاحي مهدي كروبي، معتبرين حدوث تزوير في الانتخابات». ويتابع كارباسي قائلا: «كما أن الإعدامات السياسية في إيران عهد روحاني ليس أقل بطشا من سابقيه بل أشد عذابا، فالإعدامات في إيران سياسية وغير سياسية هي مستمرة، منذ انتصار الثورة عام 1979، مرورا بمجزرة المعارضين مع نهاية الحرب العراقية الإيرانية، وصولا إلى إعدامات العامين الماضيين التي أظهرت وجها آخر للحكومة برئاسة حسن روحاني، التي توصف بالإصلاحية والمعتدلة، مقارنة بسلفه محمود أحمدي نجاد المحسوب على التيار الأصولي المتشدد، وما زال هناك استهداف للأقليات وما زال النظام يضع العقوبات في إطار تهم (محاربة الله ورسوله)، (التآمر على الثورة) أو (الإفساد في الأرض) تهما جاهزة لمعارضيه». ويشير إلى أنه في «عهد روحاني لم يتغير شيء حتى فيما يخص العلماء الذي يقضون حياتهم وهم ملاحقون ومتهمون عند الطلب»، ويقول بهذا الخصوص: «إن إعدام العالم النووي، شهرام أميري، جاء بأمر مباشر من المرشد الأعلى، علي خامنئي، وأميري عالم كردي في مجال النووي في جامعة مالك أشتر من مواليد كرمانشاه غرب إيران، بقي 10 سنوات بسجن انفرادي حتى إعدامه، أي أعدم بعد عشر سنوات ومن بين الحالات الأخرى المماثلة التي تعامل معها النظام الإيراني، مع العلماء قضية عالم الفيزياء، أوميد كوكبي، الذي يصارع مرض السرطان في سجن (إيفين)، بطهران، بعد مرور 6 سنوات من اعتقاله»، مؤكدا أن «روحاني عاجز عن التصرف، فهو تحت رحمة المرشد الأعلى علي خامنئي، والحرس الثوري الإيراني والمحاكم الثورية في البلاد». جزار الثورة وأول أحكام الإعدام التي أصدرتها الجمهورية الإسلامية في إيران، كانت بعد يومين فقط من انتصار الثورة في فبراير (شباط) 1979. وأول الأشخاص الذين تمت محاكمتهم وتم تنفيذ حكم الإعدام في حقهم كانوا كلا من: رئيس جهاز السافاك نعمة الله ناصري، وقائد القوات الجوية منوتشهر خسروداد، والحاكم العسكري في أصفهان رضا ناجي، والحاكم العسكري في طهران والقائد العام للشرطة في البلاد مهدي رحيمي بأمر مباشر من الخميني. وبرز آنذاك اسم صادق خلخالي بعد الثورة الإسلامية في إيران بوصفه «القاضي الشرعي» الذي يمارس دور قاضي المحاكم الثورية التي نصبت بعد انتصار الثورة لمحاكمة رموز نظام الشاه السابق، محمد رضا بهلوي، وقام بإصدار أحكام فورية ورادعة بحق عدد منهم في محاكم لم تعطهم فرصة للدفاع عن أنفسهم، ولا يتعين بها أي من معايير الشفافية، واستهل خلخالي مهام منصبه بإصدار أحكام إعدام على 2000 مسؤول من النظام السابق. وبحسب كارباسي فإن «خلخالي كان يجوب كل المناطق والأقاليم في إيران ويقيم المحاكم فيها ضد من يعارض النظام وتمت ترقيته فيما بعد ليصبح أول مدع عام في جمهورية إيران، وأطلق عليه الإيرانيون جزار الثورة، وقبل وفاته في 2003 أجرت بعض وسائل الإعلام المحلية والأجنبية مقابلة معه تحدث فيها عن عمله في السلطة القضائية، وأكد أنه لا يشعر بأسف على الكم الهائل من أحكام الإعدام التي أصدرها، وتمنى أيضا أنه لو أعدم المزيد» ما يعتبره كارباسي الأساس الدموي الذي بني عليه القضاء الإيراني. إعدامات على الهوية الأساس الدموي لعملية الإعدام في إيران تمر بمراحل تعذيب مختلفة وحتى قبل تنفيذ الإعدام وخلاله يتم تعذيب السجين المحكوم بالإعدام، حيث أكد ذوو السجناء الكرد السنة الذين أعدمتهم إيران بشكل جماعي في 2 أغسطس (آب) من العام الحالي أن عناصر الاستخبارات قامت بتعذيب أبنائهم بشكل وحشي وتهشيم أجسامهم قبل أن تنفذ الإعدام بهم شنقا. وبحسب منظمات حقوقية كردية في سنندج، مركز محافظة كردستان، فإن 36 شخصا من النشطاء السنة الكرد في سجن رجايي شهر في مدينة كرج غربي طهران تم اقتيادهم من قبل عناصر مقنعين تابعين للوحدات الخاصة للأمن الإيراني، إلى مكان مجهول، حيث انتشر خبر إعدام 25 منهم، مشيرة إلى أن العوائل كلها شكت من آثار التعذيب على أجساد أبنائهم، لكن الاستخبارات قامت بتهديدهم بالاعتقال إذا ما تحدثوا للإعلام عما شاهدوه، وبحسب المنظمة فإن أجهزة الاستخبارات الإيرانية حاولت تلفيق التهم ووصم نشاطات هؤلاء السجناء بتنظيمات متطرفة كـ «داعش» رغم أنهم كانوا معتقلين منذ عام 2009 بتهم الدعاية ضد النظام. وتفاقمت ظاهرة الإعدامات المتكررة في الشوارع في إيران ضد الأقليات غير الفارسية، بحق عدد من المقاومين من الكرد والأحوازيين والبلوش، ما تعتبره الحركات التحريرية لهذه الشعوب جزءا من الممارسات القائمة على القمع والتنكيل ومحاولات إخضاع الشعوب للنظام الجائر. الباحث والكاتب الأحوازي يوسف عزيزي بني طرف، وفي حوار مع «المجلة» يؤكد أن «العقوبات التي تطبق على الأحوازيين والكرد والبلوش هي أشد من ما يطبق على الفرس لتهم مماثلة، تستخدم السلطات الإيرانية ذرائع مختلفة مثل أنشطة راديكالية أو أعمال مسلحة لمجموعات خاصة، لتتهم بتلك الجرائم عدة مجموعات أخرى تعمل في مجال سلمي دعوي أو سياسي أو ثقافي، وهذا ما شاهدناه في عملية إعدام الداعية الكردي شهرام أحمدي الذي أعدم مع رفاقه مؤخرا في إيران، أو ما شاهدناه سابقا من إعدام بحق الشاعر الأحوازي هاشم شعباني، والمعلم الأحوازي هاشم راشدي، حيث قامت السلطات الإيرانية بإعدامهما في العام 2014 بتهمة القيام بأعمال عنف فيما كانا ناشطان ثقافيان يعملان في إطار منظمة الحوار الثقافية في مدينة الخلفية شرق إقليم عربستان الأحواز». ويكشف قائلا: «إذا كانت إيران الأول في عدد الإعدامات في العالم، فإن إقليمي كردستان وعربستان يُعدان الأول في عدد المعدومين سنويا في إيران بعد العاصمة طهران طبعا، يليهما إقليم بلوشستان ذات الأغلبية السنية»، مستأنفا: «الشعب العربي الأحوازي يتعرض لعمليات تطهير عرقي ثقافي وسياسي، بل جسدي منذ الحكم الملكي وحتى الحكم الإسلامي الحالي. فعلاوة على التصفيات الجسدية خارج السجون، التي تتم بسبب حوادث سيارات مصطنعة يقتل فيها نشطاء عرب، هناك نشطاء يتم اغتيالهم تحت التعذيب في السجون أو بالتسمم وما شابه ذلك من اغتيالات لم يبق فيها أثر مشهود للقتلة». ضحايا النظام الإيراني ويعتبر أن «الإعدام في الساحات العامة سياسة ينتهجها النظام الاستبدادي في إيران لترهيب الناس وخاصة الشعوب غير الفارسية»، منوها إلى أن «قمع النظام المستمر للشعوب الإيرانية وأهل السنة والأقليات الدينية والمذهبية الأخرى، وارتكاب المجازر بحق المعارضين منها إعدام نحو 33 ألفا و700 شخص في عام 1988 حسب ما ذكره رضا ملك، النائب السابق لوزارة الاستخبارات الإيرانية، الذي قضى عدة سنوات في السجن ويقيم حاليا في طهران، فيما يذكر المنتظري عدد ضحايا مذبحة السجون هذه بـ3000 قتيل، وهناك إحصاءات أخرى تتأرجح بين 5000 إلى 31 ألف شخص، وتُعد إيران الأولى دوليا في عدد الإعدامات قياسا لنسمتها، وهي مستمرة في هذا الأمر ما دامت لم تنتمِ أخلاقيا إلى الأسرة الدولية ولم تلتزم بالقوانين والمعاهدات الدولية التي وقعتها بشأن حقوق الإنسان، وسوف يستمر النظام الإيراني بسياساته هذه ما دام يحكمه رجال الدين وحلفائهم من الحرس الثوري، ولم يردعه رادع على المستوى الدولي». يعبر بني طرف عن رأيه بالإصلاحيين قائلا: «هم ولدوا من رحم هذا النظام، في حقبة الثمانينات لم يكن شيء اسمه إصلاحي ومحافظ، بل كان الصراع بين القوى اليسارية والليبرالية المعارضة من جهة والنظام الديني الشمولي من جهة أخرى، حيث كان الإصلاحيون جزءا لا يتجزأ من الهيئة الحاكمة في إيران، وقد كان سعيد حجاريان منظر الإصلاحات في عهد خاتمي (1997 2005) من مؤسسي وزارة الاستخبارات، وأول نائب لوزيرها عند تأسيسها في العام 1983، كما كان محمد خاتمي الذي أصبح رئيسا للجمهورية في 1997 وزيرا في عهد هاشمي رفسنجاني (1989 1997)، ويمكن أن أشير إلى العشرات من الإصلاحيين المشاركين في عمليات القمع التي طالت المعارضة في الثمانينات من القرن الماضي وعلى رأسها مجزرة السجون في العام 1988 الذين أصبحوا فيما بعد وزراء ومسؤولين كبارا في عهد خاتمي وكذلك في عهد حسن روحاني». ويستدرك أن «القليل منهم مثل مصطفى تاج زادة نائب وزارة الداخلية في عهد خاتمي طالب النظام الإيراني مؤخرا بالاعتذار عن أسر ضحايا المجزرة وإعادة الاعتبار لهم، غير أن المتشددين وبعض المعتدلين مثل أحفاد الخميني لم يستجيبوا لهذا الطلب، بل أكدوا على صواب ما قام به الخميني والمسؤولون آنذاك من مجازر وإعدامات في السجون الإيرانية حتى ضد الذين كانوا يقضون فترات حكمهم»، مضيفا أن «الذين كانوا ضمن اللجنة القضائية الثلاثية الخاصة بالإعدامات (المعروفة بلجنة الموت) ونفذوا تلك المذبحة المروعة في السجون الإيرانية في صيف عام 1988 بأمر من الخميني هم يتولون مسؤوليات مهمة حاليا، منهم رئيس لجنة الموت، حسين علي نيري، وهو حاليا نائب رئيس المحكمة العليا للبلاد وزعيم العتبة الرضوية (أي مسؤول الشؤون المالية والاجتماعية والاقتصادية لضريح الإمام الثامن للشيعة أي الإمام الرضا في مشهد) ومرشح لخلافة علي خامنئي، ومصطفى بورمحمدي الذي يتولى وزارة العدل في حكومة روحاني، ومرتضى إشراقي يدير مكتب محاماة في طهران». إعدامات بالجملة وكانت دعت 22 منظمة حقوقية إيرانية، المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق للتحقيق حول الإعدامات السياسية المتزايدة، في بيان مشترك، إلى أنه ما لا يقل عن 915 سجينا سياسيا يقبعون حاليا في السجون الإيرانية، وأن العشرات منهم محكومون بالإعدام وعلى رأسهم نشطاء القوميات من الكرد وعرب الأحواز والبلوش.. وأنه منذ بداية أغسطس 2016 وبناء على شواهد موثوقة نفذت إيران عقوبة الإعدام بشكل سريع واعتباطي ضد العشرات من السجناء السياسيين من أبناء القوميات، فيما حذرت منظمة حقوق الإنسان في أغسطس 2016 إيران من إعدام 7 سجناء كانوا قاصرين وقت ارتكاب الجريمة ويتوزعون حاليًا في سجون كل من مدن سقز، وبوكان، ومياندواب، وسنندج، بينما هناك 160 سجينا قاصرا ينتظرون حكم الإعدام في إيران، وفق تقرير سابق لمنظمة العفو الدولية (أمنستي). ويذكر في عام 2015 بلغت الإعدامات في إيران أكثر من أي مكان آخر في العالم. وفي بلوشستان فقد أعدم النظام كل الذكور البالغين في إحدى القرى الواقعة في جنوب إيران، بتهم تتعلق بالاتجار بالمخدرات. الكاتب والباحث شاهين البلوشي يقول في حوار مقتضب مع «المجلة» يقول: «إن الحكومة الإيرانية لديها أسباب عدة حول الإعدامات منها مذهبية ودينية، وكون البلوش من المذهب السني، وتتهمهم بأنهم وهابيون وسلفيون جهاديون، وهذا مخالف لمذهبهم، وهناك اتهام بأنهم تجار ومهربو مخدرات»، مضيفا أنه «كثيرا ما تتهمهم بأنهم ينتمون إلى جماعات ومنظمات إرهابية كجماعة جيش العدل وجيش النصر والفرقان». ويشير البلوشي إلى أن أغلب الإعدامات تتم في السجون السرية، وبعضها تتم في الساحات العامة أمام الملأ، ولا توجد محاكم مدنية محايدة، فبالتالي السجان والمسؤولون المعنيون في جهاز الأمن الداخلي (باسيج) ومن أفراد الحرس الثوري هم من يقررون، طبعا بعد التعذيب وتشويه أجسادهم، يتم تنفيذ الحكم وأحيانا يتم تسليم الرفات». ويكشف أنه «عاد يتم إخافة ذوي الضحايا خاصة من السجناء السياسيين، ويتم إسكاتهم عن طريقة الإعدامات التي نفذت بحق أبنائها، وأنه في حال كشفهم ذلك سيكون مصيرهم مصير من سبقوهم من ذويهم، هذا منتشر بشكل عام، وهناك منظمات وأحزاب موجودة خارج إيران وخصوصا في أوروبا تعمل جاهدة لتوصيل صوت الضحايا إلى منظمات دولية لحقوق الإنسان وبالخصوص في سويسرا وبريطانيا». تحدي الموت وكل ما سلف جعل إيران في المركز الثاني عالميا، من حيث عدد حالات الإعدام حول العالم، والأولى بحسب نسبة السكان، واستمرار النظام في نهجه الإجرامي جعل نيما سرفستاني والآلاف مثله من الإيرانيين من ذوي ضحايا المجازر الإيرانية بحق السياسيين يواجهون التعتيم والتكتيم، وصمت المجتمع الدولي، وعدم مواجهة النظام لأي رد فعل دولي أرسل رسالة أدركها نظام الملالي جيدا، وهي أن باستطاعته ارتكاب الجرائم بأبشع وأفظع الطرق وعدم المحاسبة تجاهها. «النظام قد جرَّب عدم جدية المجتمع الدولي في محاسبته حيال أي انتهاكات وخروق للقوانين الدولية، لأنه رأى أنّ بعد ارتكاب المجازر بحق آلاف السجناء السياسيين لم يثر معارضة قوية وإدانة دولية جادة، مع أن جميع المتورطين في هذا الجريمة الكبرى لا يزالون يتربعون على المناصب القيادية في النظام، وجميع كبار المسؤولين في السلطة القضائية هم الذين كانوا متورطين مباشرة في هذه الجريمة»، والكلام لنيما سرفستاني. سرفستاني خاطر وتسلل إلى إيران، وأجرى حوارا في عام 2005 مع حسين علي منتظري، رجل الدين المعروف الذي انتخب نائبا للولي الفقيه بعد الثورة، ولكن تم عزله بسبب معارضته للإعدامات في إيران عام 1988، وفي عام 1999 حكم عليه بالإقامة الجبرية في منزله بمدينة قم الإيرانية، بسبب نقده اللاذع للمرشد الحالي إلى أن رفعت عنه بعد خمسة أعوام. ونجح سرفستاني في توثيق بعض من جرائم النظام من خلال فيلم وثائقي تحت عنوان «أولئك الذين قالوا لا للملالي»، الذي وثق الجرائم التي ارتكبها النظام في إيران بعد إعلان قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979 وفتوى الخميني حول إعدام عشرات آلاف النشطاء السياسيين في السجون إبان الثمانينات من القرن الماضي. وصور في ظروف بالغة الخطورة، حيث استطاع أن يصور شهادة أحد الرجال في مقبرة خاوران حول مشاركته في طمر رفات ضحايا إعدامات 1988. ويختم المخرج الإيراني نيما سرفستاني حواره مع «المجلة»، في مساعيه إلى توثيق جرائم هذا النظام وتدويل قضية شعب يعايش الموت وطرحها في محكمة دولية تقاصص النظام المجرم الذي حرم أمي من احتضان رستم وحرم أمهات إيران من العيش بسعادة. ويذكر أن الفيلم أحرز الجائزة الأولى في مهرجان براغ الوثائقي لحقوق الإنسان الذي أقيم خلال الشهر الحالي. ويتضمن «أولئك الذين قالوا لا للملالي» إفادات 25 شاهدا رئيسيا ممن سجنوا وعذبوا، وممن فقد أقاربهم في مسلسل التعذيب والإعدامات، واختيرت هذه الشهادات من بين مائة شهادة أخرى. كما يعرض الفيلم وثيقة «الفتوى السرية» التي أصدرها الخميني بخط يده، وقضت بإعدام المتهمين المصنفين بأعداء الله. ويرصد الفيلم مصائر الذين أشرفوا على إجراءات التحقيق وتنفيذ عمليات الإعدام، ويقوم بتعقب البعض منهم بالكاميرا، فنكتشف أنهم ترقوا في مراكز الحكم، ويشغلون حاليا مناصب رفيعة، حتى إن أحدهم مثل بلاده في مؤتمر لحقوق الإنسان في طوكيو. مقبرة رستم مسيرة كردية ضد القتل الإيراني ودموية النظام أكراد إيرانيون شمال مدينة أربيل الكردية بالعراق خلال احتجاج على إعدام ذويهم في إيران (غيتي)