واصلت الصحف العربية الصادرة الأسبوع الماضي جل اهتماماتها بالحديث عن الأزمة السورية وتداعياتها الخطيرة التي لا يحمد عقباها أحد . فمن جهتها قالت بعض الصحف: إن كل المؤشرات بخصوص اتفاق وقف النار في سوريا كانت مضيعة للوقت ومكسباً إضافيّاً لروسيا في صراعها مع الولايات المتحدة، وتابعت: إنه بالشكل الذي خرج به الاتفاق، كان سيتيح للرئيس الروسي بوتن تحقيق هدف جديد من الأهداف التي وضعها لتدخله العسكري في سوريا، ألا وهو اعتراف أميركا ببلاده حليفاً في الحرب على الإرهاب . وفي ذات السياق رأت بعض الصحف أن تعقيدات الوضع السوري وتشابكه تدعونا أن نخرج من قوالب التفكير التقليدية، وتابعت: إذا بدأنا نفكر بأن ما يحصل في سوريا الآن أشبه بمخطط تنظيمي جديد للإقليم السوري وقودُه تهجير ملايين البشر وتدمير ملايين البيوت وإزالة مدن عن الخارطة بمباركة كل الأطراف باستثناء الشعب السوري . كما أضافت بعض الصحف أن ما يحصل في حلب يثبت أن الحلول المبتورة في سوريا أو أنصاف الحلول كاتفاق وقف النار الأخير، هي في أحيان كثيرة أشد خطراً من الحرب نفسها . ومن جانبها وجهت بعض الصحف انتقادات لاذعة للولايات المتحدة تجاه الملف السوري وتراخي الإدارة الأميركية برئاسة أوباما تجاه ما يحدث. ففي هذا الشأن قالت صحيفة الرياض السعودية في إحدى افتتاحيتها: إن الأوضاع في سوريا تزداد سوءاً يوماً بعد يوم ولا نرى أي تقدم في المسار السياسي، بل على العكس هناك تراجع وعدم اتفاق رافقه تراشق بالاتهامات بين واشنطن وموسكو مما يؤكد بُعد الحل عن طاولة التفاوض. وأضافت الصحيفة: مما زاد الأمر تعقيداً الموقف الأميركي من الأزمة وتسليم الملف، بقصد أو بدون قصد لروسيا، فأصبحت تتحكم في مساريه السياسي والعسكري فارضة إيقاعها على سير الأحداث، فإدارة الرئيس أوباما اتخذت موقفاً سلبياً من الأزمة منذ بدايتها وحتى اليوم، لم يكن الموقف الأميركي بذاك الموقف الذي يعطي مؤشراً لوجود نية لحل الأزمة لا سياسياً ولا عسكرياً، فإذا عدنا بالذاكرة إلى بدايات الأزمة السورية، قبل التدخل الروسي، سنجد أن هناك رؤية ضبابية تلبست موقف إدارة أوباما بين الانخراط في الأزمة من عدمه رافقه تخاذل في الموقف خاصة بعد فصول أحداث (الخط الأحمر) الذي تحدث عنه أوباما شخصياً حين تم الكشف عن استخدام النظام للأسلحة البيولجيوية والكيميائية، ولم يكن هناك أي خطوط حمراء مما دعا النظام إلى استخدامهما في مناسبات أخرى دون رقيب أو حسيب. وتابعت الرياض: حتى داخل الولايات المتحدة هناك انتقادات واسعة النطاق لإدارة البيت الأبيض للأزمة في سوريا، حيث يقول مسؤول أميركي: “إن خطط البيت الأبيض لكبح الفوضى في سوريا أثناء ترك أوباما للرئاسة فشلت”، وهذا أمر طبيعي في سياق التذبذب وعدم وضوح الرؤية لمتخذي القرار على المستوى الرئاسي الأميركي وتشتت الاتجاه بين الحل السياسي والعسكري دون النجاح في أيٍّ منهما. واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بقولها: كوننا على أبواب الانتخابات الرئاسية الأميركية فهذا يعني أن الملف بكامله سيحال لسيد أو لسيدة البيت الأبيض بكل تفاصيله الشائكة والمعقدة وسنرى إن كان هناك حلٌّ لواحدة من أطول وأصعب الأزمات في التاريخ الحديث. ومن جانبها قالت صحيفة المستقبل اللبنانية في إحدى افتتاحيتها: إن المذبحة المتمادية في حلب، هي جريمة في حق البشرية جمعاء بمقدار ما هي جريمة إبادية ضد شعب أراد ويريد التحرر من نظام قاتل مجرم مافيوزي استبدادي، حكم سوريا على مدى خمسة عقود بالحديد والنار، ويدمرها منذ أكثر من خمس سنوات عقاباً لها على تطلعها وشعبها إلى الانعتاق. وأضافت المستقبل: هذه مذبحة تجري على الهواء مباشرة أمام أنظار العالم ومؤسسات ما يُسمى المجتمع الدولي ومنظماته ومجلس أمنه، وتُسجَّل فيها أفدح الممارسات الوحشية وبواسطة أكثر الأسلحة فتكاً وتدميراً، ويتباهى المرتكبون المجرمون بما يفعلونه طالما أن شعار “محاربة الإرهاب” جاهز وكافٍ للاستخدام، لكن ما علاقة ذلك بقصف الأحياء السكنية المدنية بالصواريخ والقذائف الحارقة والفوسفورية والعنقودية من قبل الطيران الروسي، وتهديم البيوت على قاطنيها، من عوائل تضم نساء وأطفالاً. واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بقولها: إن استهداف قوافل الإغاثة واعتماد التهجير القسري والتطهير المذهبي والعرقي، وكيف يمكن أن يبقى هذا العالم ساكتاً في مطالع الألفية الثالثة عن الفظاعات التي تتوالى مع أن جلّ من عليها يعرف تماماً أن الطاغية بشار الأسد وداعميه الإيرانيين تحديداً لا يتطلعون سوى إلى إدامة التحكم بسوريا، ولا يعرفون شيئاً آخر غير شعار “الأسد أو نحرق البلد”. وتحت عنوان “عرب ومخيمات” قالت صحيفة الحياة اللندنية في إحدى افتتاحيتها عن أحد قاطني المخيمات: يقول محمد: قلتُ أهربُ من مشاهد حلب، ومن هذا الفصل الملحق بالحرب العالمية الثانية، من الجثث الصغيرة، ورائحة اللحم المحروق، وأكاذيب لافروف، والقنابل الذكية، تعجبني هذه التسمية، قنابل تقتحم الملاجئ والأنفاق، قنابل عائلية تصطاد العائلات في مخابئها، والعصر عصر التخصُّص، هذه قنبلة تصطاد الأطفال الذين يخفون في جيناتهم ميولاً تكفيرية، وهذه للأطباء والمسعفين، وتلك لقوافل المساعدات الإنسانية التي لا تصل، قلتُ أهرب وسلكتُ طريق الجنوب، ربما لأتذكر يوم أننا كنا عرباً، وكان رداء العروبة يغطي أحقادنا وخناجرنا. وتابعت الصحيفة: عندما ينزل الليل على المخيم يشعر محمد بالاختناق، ليس بسبب الفقر وهو مقيم قديم، وليس بسبب تراجع المساعدات، وتزايد معدل البطالة، واكتظاظ الغرف الصغيرة المرتجلة، وغياب الخدمات، يخنقه شعوره بأنه وُلِد في المخيم وسيموت فيه، تماماً كما مات جده الذي طُرِد من أرضه، ووالده الذي علّق صورة ياسر عرفات على الجدار المتهالك. وأضافت: يشعر محمد بالاختناق؛ لأن السنوات تتوالى في المخيم كالطعنات، يتضاعف البؤس ويتآكل الأمل، وتابعت: مرّ ياسر وأشعل قنديل حلم العودة، ومر جورج حبش و”أبو جهاد” ووديع حداد، مرّوا ورحلوا، وتابعت الصحيفة: إنهم حاولوا إيقاظ ضمير العالم وفشلوا، تناسلت المستوطنات هناك وترسّخت المخيمات هنا. وأضافت الصحيفة: قال: إن الفلسطينيين لم يتنازلوا عن قضيتهم ولن يفعلوا، لكن الوقت يسقي شجر اليأس، وإنه تعب من الشعارات والاجتماعات، من الإشكالات الأمنية ولجان التهدئة، من الحوادث الفردية واجتماعات الفصائل. وتابعت: لقد نفى أن يكون المخيم خزّاناً للإرهابيين مع إقراره بوجود مضلّلين، وقال: إن المخيم يشبه هذا العالم العربي، وإن متشددين يستغلّون الشباب الغاضب واليائس ويعرضون عليه اختصار الطريق إلى الجنة، لكنه شدّد على أن المتطرفين قلة. وأضافت أنه رأى أن إسرائيل حقّقت في السنوات الأخيرة انتصارات مدوّية من دون أن تقاتِل، وقال: إن علاقات إسرائيل بأميركا وروسيا والصين وغيرها توحي بأن الأفق مسدود فعلاً أمام الفلسطينيين. وتابعت: تحدّث عما أصاب العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا، وعما لحق بشعوبها وجيوشها، فاجأني قوله: إنه لا يريد المبالغة في الشكوى، وأن أوضاع سكان المخيم قد تكون أفضل من أوضاع ملايين من العراقيين والسوريين، وتخوَّف من أن تساهم النكبة السورية في طي صفحة النكبة الفلسطينية نهائياً. واعترف بأن الفلسطينيين لم يتعرضوا لما تعرّض له مَنْ ركبوا قوارب الموت أو مَنْ دهمتهم حملات الإبادة والتطهير. وتابعت: لقد قال: “أخجل أن أروي لك معاناة أهل المخيم، ربما كانت أوضاعهم أفضل من أوضاع نازحي الفلوجة”. وتابعت الصحيفة: إن مصيرهم أفضل بالتأكيد من مصير مَنْ كانوا سكان داريا، وحالهم أفضل بكثير من أحوال أبناء الأحياء المنكوبة في حلب، ويبدو أننا لم نخسر فلسطين وحدها، بل ضاعت دول كثيرة وماتت عواصم كثيرة، أطفالنا على الأقل يذهبون إلى المدارس ولو كان مستوى التعليم متدنياً، والملايين من الصغار السوريين والعراقيين تضيع أعمارهم الآن في مخيمات النزوح، أخاف أن تكون نكبتنا أقل من النكبات الحالية والمقبلة. وتابعت لقد ختم محمد ساخراً: “إذا كان كل ما حل بالفلسطينيين والأمة لا يكفي لإقناع الرئيس محمود عباس وخالد مشعل بالاجتماع، فكيف تنتظر أن تكون معنويات أهل المخيم؟ وإذا كان جون كيري لا يستطيع تمرير المساعدات إلى شرق حلب، فكيف يستطيع إقناع نتنياهو بإعادة حقوق الفلسطينيين”؟. غادرتُ المقهى وذهبتُ إلى موعدي، وفي طريق العودة إلى بيروت كانت كلمات محمد تتردّد في داخلي، “كنا نحلم بأن تقوم الدولة الفلسطينية المستقلة، وبأن يتاح لسكان المخيمات أو قسم منهم أن يعودوا إلى تراب أجدادهم، لم نتوقع أن ينضم ملايين العرب إلى فئة سكان المخيمات”. وتابعت الصحيفة أن المخيمات الجديدة أقسى من السابقة وأفظع، فمدننا فَقَدَت علاقتها بالحاضر والمستقبل وتحوّلت مخيمات، ودول كاملة استحالت مخيمات، وغياب المؤسسات يجعل الدولة مخيماً كبيراً لا ينجب غير المخيمات، هكذا صارت الدول موزَّعة ميليشيات واستباحات ومخيمات. واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بقولها: إنه لا ينجُبُ التكفير إلا المخيمات، لا يَعِدُ التعصب بغير المخيمات، التسلُّط أقرب الطرق لإشاعة البؤس والمخيمات، والقطيعة مع العصر تحوّل المدن العريقة مخيمات قاتلة، والانغلاق يحوّل الجامعات مخيّمات معتمة، وفي هذا الظلام تولد الميليشيات وتترعرع وتدوم، تَلتَهِم حقوق الناس والدساتير وروح العواصم والمدن، الويل لأحفادنا من عصر المخيمات والميليشيات.;