غيث خوري يعدّ الرحالة العربي الشهير ابن حوقل الذي ذاع صيته في القرن الرابع للهجرة، أحد أشهر الرحالة العرب وواحداً من أهم علماء الجغرافيا في عصره، حيث استمرت رحلته منذ عام 331 ه حتى سنة 359 ه زار خلالها البلدان الإسلامية، وبلداناً أخرى فكثرت مطالعاته ومشاهداته وجمع كل ما حصل عليه من تجارب في كتابه صورة الأرض. هو أبو القاسم محمد بن حوقل أو محمد بن علي النصيبي الموصلي، ولد ببغداد، ونشأ فيها، وذلك في أواسط القرن الرابع للهجرة، وأقبل على التجول في البلاد الإسلامية، متعاطياً التجارة، لمكانتها الخاصة في الكسب، ولما تقتضيه من التنقل والتجول، وهي الناحية التي شغف بها فتملكته. صادف عند ابتدائه في تجواله عام 331ه (942م)، أن انقطع المسعودي الرحالة الشهير عن الارتحال ولزم داره، وعلى هذا فإن ابن حوقل قد خلف المسعودي في هذا المضمار. وانتهى رحالتنا من رحلته الواسعة سنة 359ه (970م)، فيكون بهذا قد أمضى ثمانية وعشرين عاماً في حل وارتحال، زار خلالها أقاصي البلدان، فساح في العالم الإسلامي شرقاً وغرباً من نهر السند إلى المحيط الأطلنطي، ووصف بلاد البربر وصفاً جميلاً، كما أنه جال في بلاد الأندلس متنقلاً بين كثير من مدنه المشهورة. دخل صقلية وأسهب في الكلام عليها، وجاب ربوع مصر وسورية والعراق وفارس. لابن حوقل كتابان معروفان: أحدهما كتاب حول صقلية وهو مفقود والآخر صورة الأرض، الذي اعتبره المؤرخون صورة ثانية لكتاب الأصطخري المسالك والممالك مع زيادات آتية من دراساته ومشاهداته الخاصة التي اكتسبها أثناء رحلته، وقد لقي ابن حوقل الأصطخري عام 340 ه، وكان الأصطخري قد صنع خريطتين إحداهما غير جيدة للسند والأخرى جيدة لفارس، فأراه ابن حوقل خريطتين من صنعه، إحداهما لأذربيجان والأخرى للجزيرة فمدحهما الأصطخري كثيراً، ثم طلب منه أن يعيد النظر في كتابه ويحسنه ففعل ابن حوقل. جاء في مقدمة كتاب صورة الأرض ما نصه: هذا كتاب المسالك والممالك والمفاوز والمهالك، وذكر الأقاليم والبلدان، على مر الدهور والأزمان، وطبائع أهلها، وخواص البلاد في نفسها، وذكر جبايتها وخراجاتها ومستغلاتها، وذكر الأنهار الكبار، واتصالها بشطوط البحار، وما على سواحل البحار من المدن والأمصار، ومسافة ما بين البلدان للسفارة والتجار، مع ما ينضاف إلى ذلك من الحكايات والأخبار والنوادر والآثار، تأليف أبي القاسم بن حوقل..معول فيما جمعه على كتاب الإمام العالم أبي القاسم محمد بن خرداذبة، وقدامة بن جعفر الكاتب. وقد اختص هذا الكتاب في الجغرافية دون سواها، حاوياً وصفاً دقيقاً لأغلب الأقطار، كمصر وسورية والعراق، وتعدّ بحوثه في المغرب وإسبانيا وصقلية من المصادر الرئيسية عن جغرافية تلك المنطقة، إضافة للمعلومات القيمة عن ثروة البلاد وتجارة أهاليها، وجباية الضرائب إلى غير ذلك. ويتحدث ابن حوقل عن عمله قائلاً: وقد حررت ذكر المسافات واستوفيت صور المدن وسائر ما وجب ذكره..، وسائر ما يكون عليه أشكال تلك الصورة والعمل وموقع كل مدينة من مدينة تجاورها، وموضعها من شمالها وجنوبها، وكونها بالمرتبة من شرقها وغربها ليكتفي الناظر ببيان موقع كل إقليم وموضعه ومكانه، وما توخيته من ترتيبه وأشكاله وقصصه من أحواله وأخباره..، وقد فصلت بلاد الإسلام إقليماً إقليماً وصقعاً صقعاً، وبدأت بذكر ديار العرب فجعلتها إقليماً واحداً لأن الكعبة فيها ومكة أم القرى، وهي واسطة هذه الأقاليم عندي.