انطلق الأسبوع اللبناني على وقع سؤال: هل يفعلها زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري ويتبنى ترشيح زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية؟ ليقفل على سؤال: هل «خيار عون» قابل للحياة وهل اعتماده من الحريري سيكون كافياً لفتح أبواب القصر الشاغر امام «الجنرال»؟ وفيما سؤال مطلع الأسبوع كان برسم زعيم «تيار المستقبل» نفسه وحساباته التي أمْلت عليه التراجع خطوة في ترشيحه النائب سليمان فرنجية واقترابه خطوة من امكان تأييد خصمه ومرشح «حزب الله» الرسمي العماد عون، فإن المفارقة في سؤال نهاية الأسبوع أنه برسْم حلفاء زعيم «التيار الحر» داخل بيت «8 آذار» ولا سيما الحزب ورئيس البرلمان نبيه بري الذي يتصدّر معركة التصدي لوصول عون الى الرئاسة الأولى تحت شعار «السلّة المتكاملة للحلّ مرشّحي» ولا ممرّ الى بعبدا من خارجها. وفي موازاة علامات الاستفهام الداخلية التي ظلّلت خلْط الأوراق الذي أَحدثه قرار الحريري بفتح مسارات جديدة للملف الرئاسي أبرزها ذات الصلة بعون، لم تنكفئ الأسئلة المرتبطة بالعنوان الخارجي للأزمة الرئاسية بما سيحمله مآلها من أجوبة حول تموْضع لبنان سواء كجزء من الحضن العربي يحاكي مصالح العرب ويراعيها او كـ «حصن» لإيران الآخذة في التمدُّد في المنطقة، او كـ «نقطة تَوازُنٍ» ستمليها «جردة حساب» الربح والخسارة في الساحات التي ما زالت مشتعلة ولا سيما سورية واليمن. ومع سؤال: هل اتخذتْ طهران قرار الإفراج عن «رئاسية لبنان» قبل الانتخابات الأميركية وتالياً فصْل الورقة اللبنانية عن طاولة المقايضات التي لم يحن أوانها بعد في المنطقة الذي طبع الأيام القليلة الماضية، تقدَّم سؤال: ما موقف المملكة العربية السعودية من اي مسارٍ قد يفضي الى وصول عون الى قصر بعبدا، هو الذي شكّل في العقْد الماضي «بوليصة التأمين» لـ «حزب الله» في كل السلوك الداخلي (والخارجي) للحزب الذي حمل عنوان كسْر التوازنات اللبنانية بالقوة على اختلاف أشكالها وصولاً الى المجاهرة بالرغبة في «اجتثاث الحريرية» بقانون انتخابٍ يفضي الى إنهاء صلاحية «جواز مرور» زعيم «المستقبل» التلقائي الى رئاسة الحكومة المتمثّل في: الاكثرية داخل طائفته. واذا كان الشقّ المتعلّق بإيران يُربط بإطلاق «حزب الله» يد الرئيس بري في اندفاعته غير المسبوقة لفرْملة حظوظ عون الرئاسية، فإن الجانب المتّصل بالسعودية يلقي بثقله على خيارات الحريري و«مخاطرها». وتتوقف أوساط سياسية في بيروت باهتمام عبر «الراي» أمام انكشاف وقوف بري الحاجز الأقوى في الطريق الرئاسية لعون بمجرّد ان رفع الحريري «الفيتو» عن تولي زعيم «التيار الحر» الرئاسة وحتى قبل إعلان دعمه رسمياً، ملاحِظة ان منسوب الرسائل السلبية من رئيس البرلمان تجاه «الجنرال» يرتفع يومياً وكان آخرها التقارير في إحدى الصحف القريبة من «حزب الله» التي اكدت ان بري هو «الممر الإلزامي» لعون الى القصر، آخذة على الأخير كلامه عن رفضه عقد أي تفاهمات مع أي طرف قبل وصوله إلى بعبدا، وصولاً الى اعتبارها «ان مثل هذه العبارات لن تكون كفيلة سوى بإبعاده (عون) عشرين دهراً عن القصر الجمهوري». وبإزاء تقدُّم بري «جبهة ممانعة» انتخاب عون قبل ملء «سلّة التفاهمات» التي تشمل بالدرجة الأولى شكل الحكومة وتوازناتها ورئيسها وقانون الانتخاب وملف النفط وضوابط إدارة السلطة في العهد الجديد وتعيينات بمراكز حساس أمنية وقضائية وعسكرية، لاحظت الأوساط نفسها ان «حزب الله» يمارس أكثر من «قبة إبط» لرئيس البرلمان من خلال الإشارات التي أصدرها الى انه سيقاطع اي جلسة انتخاب يغيب عنها بري، وصولاً الى إطلاق الحزب عبر أصوات محسوبة عليه رسائل ذات مغزى باتجاه «الجنرال» تتعلّق سواء بـ «عدم الثقة به» اذا وصل الى بعبدا وهو ما يستوجب توافقاً مسبقاً على مفاصل العهد الجديد، او بإحراجه امام حليفه المسيحي «القوات اللبنانية» من خلال رفْع فيتوات مسبقة على توليها حقائب او مناصب معيّنة مع تعمُّد مطلق هذه المواقف تظهير انها بالتنسيق مع الحزب. وكان لافتاً في غمرة الأخذ والردّ حول سلوك بري، الذي تحكم علاقته بعون منذ أعوام «كيمياء معدومة»، صدور بيان عن المكتب الإعلامي لرئيس البرلمان أشار الى «ان الصحافة ووسائل الإعلام طالعتنا اليوم بحملةٍ، أغلبها بنيّة حسنة، تُظهِر الأمور كأنها خلاف شخصي بين دولة الرئيس بري ومرشح معين. والحقيقة أن الطروحات التي قدمها ويضعها بتصرف الجميع تعكس تمسكه بجدول أعمال الحوار الوطني، وهي لا تستهدف أيّاً من المرشحين بعينه، ولكنها بنظرنا الممرّ الإلزامي لإستقرار الوضع السياسي والحفاظ على المؤسسات الدستورية وللحلّ المتكامل بدأً بإنتخاب رئيس الجمهورية». وفي مقلب الرئيس الحريري، الذي كان يستعدّ امس لاستكمال لقاءاته مع كل من رئيس «القوات» الدكتور سمير جعجع والعماد عون، فإن الجانب الأساسي في تحركه الذي يستوقف الأوساط السياسية نفسها يتّصل بموقف السعودية منه. وفيما تحاول بعض دوائر «8 آذار» الإيحاء بان زعيم «المستقبل» يسعى من خلال انفتاحه على امكان السير بعون الى «استدراج اهتمامٍ» سعودي في غمرة انهماك الرياض بملفات أخرى كما في ظلّ عدم الوضوح في علاقة الحريري بالمملكة مشيرة الى ان الرياض تتعاطى على طريقة ترْك الخيار لرئيس «المستقبل» على ان يتحمّل لوحده تداعيات اي حسابات خاطئة، ترى أوساط أخرى ان السعودية يعنيها في اي رئيسٍ للبنان أجندته السياسية والضمانات التي يأتي في ظلّها بحيث لا يكون امتداداً لما اعتبرته حين اعلنت قبل اشهر مراجعة شاملة للعلاقة مع لبنان ان «حزب الله يصادر الإرادة اللبنانية». واذ ترى الأوساط استطراداً ان اي تبنٍّ يقوم به الحريري لترشيح عون وفق شروط تلائم قوى «14 آذار» والسعودية ستجعل «حزب الله» يحول دون وصول «الجنرال»، تعتبر ان ايحاءات الحزب للحريري بوجوب الإتيان بموافقة سعودية مسبقة على مساره الرئاسي الجديد قبل تأكيد بري السير بعون، تشي بفخّ لجعْل زعيم «المستقبل» يسدّد ضربة قاتلة لنفسه تجاه جمهوره والمملكة يلاقيها قانون انتخابٍ وفق النسبية الهادفة الى تحجيم الحريري داخل طائفته لقطع الطريق على مستقبله في رئاسة الحكومة. وبحسب الاوساط نفسها، فان عدم حلول ساعة الانتخاب ونضوج شروطها بما يخدم استراتيجية ايران وحزب الله ستجعل الاخير يطالب ايضاً بضمانة اميركية ربما لحركة زعيم «المستقبل» الذي يستعدّ لحزْم حقائبه في زيارات خارجية تَردّد انها ستشمل روسيا وتركيا والسعودية لاستكمال مشاورات بشأن الملف الرئاسي.