×
محافظة المنطقة الشرقية

عيسى كايد: المسرح بيتي والمنّاعي مدرستي

صورة الخبر

يعتبر سوق نايف من أقدم الأسواق الشعبية في إمارة دبي، وقد ارتبط بذاكرة كثيرين من سكان منطقة الخليج، حتى أولئك الذين لم يزوروه. وعلى هذا الأساس ارتبط بحياة الناس وتفاصيلهم اليومية من هموم وفرح وعناء وسعادة. من الوهلة الأولى لقراءة العنوان يستنشق المتصفح للكتاب عبق المكان المعجون بنكهة الزمن الذي تآكل تحت سرعة عجلة الإنتاج والحياة، وما في المدينة الخليجية من صخب متسارع نحو العولمة والانصهار في أتون الحداثة الذي قلب الموازين، وكأن الجميع يسيرون في قطار خارق لسرعة الصوت، ولا أمل له بالتوقف. وكانت الرواية هي الخيال والحقيقة في هذا الجريان الحضاري المتصاعد في مدينة دبي معلنة ربط الحاضر بالماضي، وشد الماضي إلى الحاضر، ولم تكن مجرد أنها رواية صدرت ليقرأها المتابعون هنا أو هناك. باختصار بسيط قبل الشروع بقراءة هذا العمل، نقول: صدر عن دار مداد للنشر والتوزيع في دولة الإمارات العربية المتحدة، إمارة دبي في هذه السنة 2016 م رواية «سوق نايف» للروائي الإماراتي عبيد إبراهيم بو ملحة التي يبدو من اسمها أن المكان هو العنصر الأهم في هذا العمل، التي تعكس تجارب حياتية متشابهة عاشها عديد من الناس في مواقع مكانية متعددة. لم تكن الشخوص الموجودة في الرواية إلا عبارة عن لوحات فنية جدارية وجدت قيمتها من الجدار الذي علقت عليه، لا من أجل تزيينه، بل لتكون شاهدة على بقائه ووجوده، فإن سقطت أصبح الجدار عاريًا، وإن تساقط الجدار أو تم حرقه وإتلافه فقدت هذه الصور أي معنى لها في الوجود، وما شخصية «محمد» الذي طار طائر ذكرياته عبر السنين في هذه الرواية إلا عمود ارتكاز في هذا الجدار المكاني، أو في هذه اللوحات الفنية المتماثلة لشخوص مرّوا أو عبروا من هنا أو هناك. هذه الرواية التي احتوت المكان بما فيه من عبق ذكريات الزمن القديم، بالكبار والصغار، بتعب الناس البسطاء والأماكن التسويقية القديمة المعروفة باسم «الدكاكين» التي تضج بعدد لا ينتهي من الحكايات والقصص الشعبية الممتزجة بعرق الناس وبحث النساء الدؤوب عن الأسعار المنخفضة لشراء أكبر عدد من الحوائج، علاوة على الشخوص المختلفة من غير أهل البلد الذين جاءوا للعمل في الخليج، لكن بشكل متناغم يعكس حالة السلام التي تظلل الجميع، المبني على حب التعايش والمودة والإخاء، وكأن الجميع إخوة متحابون لم يأتوا للعمل بل قدموا ليمارسوا الحياة والاستقرار والحب في جو مفعم بالمودة والرحمة. حينما قلبت صفحات هذه الرواية الزائدة عن الـ 200 صفحة بقليل، لم أجد فصولاً أو أرقامًا تفصل بين المواقف والمشاهد، هنا خطرت في بالي «مائة عام من العزلة» لماركيز، و«العصفورية» للقصيبي مع الفارق بين هذه الأعمال، وكأن الكاتب يريد أن يرمي القارئ في أتون هذا العمل، ولا يمكن الخروج منه أو عنه إلا بعد الانتهاء من قراءة الصفحة الأخيرة التي احتوت على بنت أم فاضل التي احدودب ظهرها ونتأت التجاعيد على يديها، وكأني به يريد أن يطلعنا على نوافذ نفتحها على طريقتها في رحلة انتهائنا من المقروء للاستغراق في عالم المتخيّل من أحداث نصنعها نحن وفق ما نريد بمشاعرنا وأخيلتنا. ما شد انتباهي في أثناء تفحصي رواية «سوق نايف» هذه الواقعية الصادمة التي قذفنا بها المؤلف التي تماست فيها المباشرية بالخيال أثناء السرد، وهذا في ظني مكمن التميز والخطر، فلو طغى أحدهما على الآخر لاختل الميزان الجمالي الذوقي على الأقل عند كاتب هذه السطور، حتى لا يكون رأيي يحمل طابع الفرضية القسرية على القراء لأن هذا الشيء على ما به من مهارة فنية فإنه مخيف، كمن يسير على السكين. ما لفت انتباهي في هذا العمل أن الأحداث تتراكض كتراكض السنين، وأن الخيال يخترق هذه الواقعية الموجودة في الرواية من خلال انفتاح بعض المشاهد، وهذا الشيء لو حاولنا الحديث عنه لطال بنا المجال، وما وسعتنا هذه الزاوية.